للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأهريقوها. قال ابن أبي أوفى: فتحدثنا أنه إنما نهى عنها لأنها لم تخمس. وقال بعضهم: نهى عنها البتة لأنها كانت تأكل العذرة" (١).

وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: "لا أدري أنهى عنه رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- من أجل أنه كان حمولة الناس فكره أن تذهب حمولتهم، أو حرّم في يوم خيبر لحم الحمر الأهلية؟ " (٢).

واضحٌ من خلال هذين الأثرين النظرة التعليلية للأحكام التي كان يتمتع بها الصحابة رضوان اللَّه عليهم حتى في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وتعليلاتهم هذه للنهي عن لحوم الحمر الأهلية تُعدّ بلا ريب من أسفر الأدلة على تأثر النص بما يستنبط منه من علة إذ إن مقتضى قول من علّل النهي عن الحمر بأنها لم تخمس إباحة لحوم الحمر إذا خُمِّست (٣)، وهذا تخصيص لعموم النص بالتعليل، ومقتضى قول من علّل النهي عن الحمر بأنها كانت تأكل العذرة، إباحة لحوم الحمر التي لا تأكل العذرة، وهذا أيضًا تخصيص لعموم النص بالتعليل.

وكذا تعليل ابن عباس، وهو أن النهي عن الحمر كان من أجل أنها كانت حمولة الناس، فهو يقتضي إباحة لحوم الحمر إذا لم يُحتج إليها للحمل. وهذا أيضًا تخصيص لعموم النص بالتعليل.

وبغض النظر عن صحة هذه التعليلات أو ضعفها فإن دلالتها على المنهجية الاجتهادية القائمة على تعليل الأحكام عند الصحابة رضوان اللَّه عليهم تبقى ثابتة وواضحة.


(١) البخاري، الصحيح، حديث رقم (٤٢٢٠).
(٢) البخاري، الصحيح، حديث رقم (٤٢٢٧).
(٣) أي: أخرج منها الخمس الذي هو حق اللَّه والرسول والفقراء من الغنائم.

<<  <   >  >>