للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ثانيًا: أبو إسحاق الشاطبي]

تعرض الشاطبي، رحمه اللَّه، في كتاب الأدلة من الموافقات لبيان تأثير علة النص - أمرًا كان أو نهيًا - على مفهومه، فقرر أن النص يُمكن النظر إليه بطريقين:

«أحدهما: من حيث مجرّده، لا يُعتبر فيه علة مصلحية، وهذا نظر من يجري مع الصيغة مجرى التعبد المحض من غير تعليل [وهم الظاهرية] فلا فرق عند صاحب هذا النظر بين أمر وأمر، ولا بين نهي ونهي» (١).

وقال، وهو بصدد توجيه هذا النظر، والدفاع عنه: «قد مرّ في كتاب المقاصد أن كل أمر ونهي لا بد فيه من معنى تعبدي وإذا ثبت هذا لم يكن لإهماله سبيل، فكل معنى يؤدي إلى عدم اعتبار مجرّد الأمر والنهي لا سبيل إلى الرجوع إليه، فإذن المعنى المفهوم للأمر والنهي إن كرّ عليه بالإهمال فلا سبيل إليه.

ولا يقال: إن عدم الالتفات إلى المعاني إعراض عن مقاصد الشارع المعلومة، كما في قول القائل: لا يجوز الوضوء بالماء الذي بال فيه الإنسان، فإن كان قد بال في إناء ثم صبّه في الماء جاز الوضوء به.

لأنا نقول: هذا أيضًا معارَض بما يضاده في الطرف الآخر في تتبع المعاني مع إلغاء الصيغ، كما قيل في قوله -صلى الله عليه وسلم- "في أربعين شاة شاة" (٢): إن المعنى قيمة شاة؛ لأن المقصود سد الخلة، وذلك حاصل بقيمة الشاة، فجعل الموجود معدومًا والمعدوم موجودًا، وأدى ذلك إلى أن لا تكون الشاة واجبة وهو عين المخالفة، وأشباه ذلك من أوجه المخالفة الناشئة عن تتبع المعاني، وإذا كانت المعاني غير معتبرة بإطلاق، وإنما تعتبر من حيث هي مقصود الصيغ فاتباع


(١) الشاطبي، الموافقات، ج ٣، ص ١٤٤.
(٢) أبو داود، السنن، ج ٢، ص ٢٢٦. والترمذي، السنن، ج ٣، ص ١٧، وقال: حديث حسن.

<<  <   >  >>