للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهموا أنه خرج مخرج الترخيص والتيسير، ولذا قال أبو سعيد -رضي الله عنه- "فكانت رخصة فمنا من صام ومنا من أفطر" أي منا من جرى مع ظاهر الأمر فأفطر ومنا من نظر إلى علة الأمر فصام، وكل على صواب إن شاء اللَّه بإقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم لأنه كان بين ظهرانيهم ومستبعد أن لم يكن قد اطلع عليهم.

وفي المرة الثانية لم يدع النبي -صلى الله عليه وسلم- مجالًا للاجتهاد فجزم الأمر بالفطر فكان ذلك - كما قال أبو سعيد - «عزمة» فأطاعوا.

المثال الثالث: حديث النهي عن الوصال في الصوم (١):

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا تواصلوا" وفي رواية "نهى رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال في الصوم قالوا: إنك تواصل: قال: إني لست مثلكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقين، فلم ينتهوا عن الوصال" قال: "فواصل بهم النبي -صلى الله عليه وسلم- يومين أو ليلتين ثم رأوا الهلال، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لو تأخر الهلال لزدتكم، كالمنكي لهم" (٢).

وجه «تأثير تعليل النص على دلالته» في هذه الواقعة هو أن مقتضى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: "لا تواصلوا" هو أن يمتنعوا عن الوصال وجوبًا أو ندبًا تمشيًا مع ظاهر النهي وهذا ما لم يحدث، إذ إن الصحابة لم يلتفتوا إلى ظاهر هذا النهي حتى نظروا في علته فلما وجدوه خرج مخرج الرفق بهم والرحمة لهم، كما صرحت بذلك السيدة عائشة رضي اللَّه عنها في روايتها للحديث


(١) الوصال في الصوم: هو أن يصام اليوم واليومان والثلاثة فأكثر من غير فطر في ليل أو نهار. انظر: المعجم الوسيط، ج ٢، ص ١٠٧٩.
(٢) البخاري، الصحيح، حديث رقم (٧٢٩٩).

<<  <   >  >>