للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وخالف الإمامان مالك وأحمد رحمهما اللَّه الإمامَ الشافعي في هذا الاجتهاد وذلك بأن رأيا - لأدلة وقفا عليها - أن العلة في كون لمس النساء ناقض للوضوء هي «ذات الشهوة» لا «مظنتها»، وبالبناء على هذا التعليل قيّدا مطلق «اللمس» الوارد في الآية بالشهوة فلم يوجبا الوضوء إلا من لمس بشهوة (١).

فالشافعي، رحمه اللَّه، صرف العام عن عمومه بالتعليل فصار خاصًا، ومالك وأحمد رحمهما اللَّه صرفا المطلق عن إطلاقه بالتعليل فصار مقيدًا، والخاص والمقيد معنيان مؤولان لا يصار إليهما إلا بقرينة مقوية وهو ما حدث هاهنا بقرينة التعليل.

فهذا هو مثال تقوية التعليل لمؤول النص حتى يغلب على الظن فهمه منه.

[المثال الثالث: أثر التعليل في ترجيح أحد معاني المشترك]

قال تعالى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨].

واختلف العلماء في المراد بالقرء نظرًا للاشتراك في هذه اللفظة بين الطهر والحيض.

فذهب الشافعية إلى أن المراد بالقرء في هذه الآية هو الطهر ورجّحوا هذا المعنى بقرائن ذكروها (٢).

وذهب الحنفية إلى أن المراد به الحيض ورجحوا هذا المعنى بقرائن ذكروها، ومن بين هذه القرائن قرينة التعليل، وذلك لأن العلة الأساس


(١) انظر: أحمد الصاوي، بلغة السالك لأقرب المسالك، دار الفكر، بيروت، ج ١، ص ٥١. وابن قدامة المقدسي، المغني على مختصر الخرقي، ط ١، دار الكتب العلمية، بيروت، ١٤١٤ هـ، ج ١، ص ١٥٣، وسيشار له ابن قدامة، المغني.
(٢) انظر: الشربيني، مغني المحتاج، ج ٣، ص ٣٨٥.

<<  <   >  >>