للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النهي الوارد في هذه الآية ظاهر في التحريم، لكنه - بمقتضى تردُّد صيغة النهي بين طلب الكف الجازم وغير الجازم - محتمل لأن يراد به الكراهة.

ولكن، لما ثبت تعليل النهي بكون الفعل المنهي عنه كان يؤذي النبي -صلى الله عليه وسلم-، تعين المعنى الظاهر من النص، وهو التحريم، وانتفى أو على الأقل ضَعُف جدًا المعنى المؤول من النص، وهو الكراهة، وذلك لأن إيذاء النبي -صلى الله عليه وسلم- محرم قطعًا قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} [الأحزاب: ٥٧]، والفعل إنما نهي عنه لأجل الإيذاء، فيحرم هذا الفعل بناء على ذلك قطعًا، فهذا هو مثال تقوية التعليل لظاهر النص حتى يزداد ظهورًا.

[المثال الثاني: أثر التعليل في تقوية المعنى المؤول]

ذهب الإمام الشافعي، رحمه اللَّه تعالى، إلى كون لمس النساء ناقض للوضوء استنادًا إلى قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا … } [النساء: ٤٣].

والعلة في كون لمسهن ناقض للوضوء - كما رآها الشافعي - هي كون النساء «مظنة للشهوة».

ومقتضى هذه العلة أن لا يجب الوضوء من لمس النساء اللاتي لسن مظنة للشهوة كالمحارم وكالصغار اللاتي لا يشتهين عادة وهذا بالفعل ما ذهب إليه الإمام الشافعي، رحمه اللَّه، في الراجح من قوليه، وهو بهذا يكون قد خصص عموم لفظ «النساء» الوارد في الآية بما استنبطه منها من علة (١).


(١) انظر: الشربيني، محمد الخطيب، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، دار الفكر، بيروت، ج ١، ص ٣٤، وسيشار له: الشربيني، مغني المحتاج.

<<  <   >  >>