للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثالثًا: إذا كان الخطاب واقعة عين. ويمكن التمثيل له بما سبق إيراده في اجتهادات الصحابة من اجتهاد عائشة في واقعة فاطمة بنت قيس رضي اللَّه عنهما.

أما إذا كان الخطاب عامًا - ليس فعلًا ولا إقرارًا ولا واقعة عين - فيرى ابن تيمية أن تخصيص عمومه الزمني بالعلة فيه مجال للنظر.

وكلامه هذا حق؛ إذ لا يُقال بجواز ذلك بإطلاق، ولا بعدم جوازه بإطلاق، وإنما ينظر إلى كل مسألة على حدة، فإن رجح ظن العلة على الظن المستفاد من ظاهر اللفظ قيل بالتخصيص، وإلا فلا ومثال هذا اجتهاد الصحابة في حكم المؤلفة قلوبهم، واللَّه أعلم.

[رابعًا: ابن قيم الجوزية]

تعرّض ابن القيم، رحمه اللَّه، في كتابه «إعلام الموقعين» لمسألة تعارض المعنى - العلة - مع ظاهر اللفظ وأورد في ذلك كلامًا حسنًا فقال: «والتعويل في الحكم على قصد المتكلم، والألفاظ لم تُقصد لنفسها وإنما هي مقصودة للمعاني، وللتوصل بها إلى معرفة مراد المتكلم، ومراده يظهر من عموم لفظه تارة، ومن عموم المعنى الذي قصده تارة، وقد يكون فهمه من المعنى أقوى وقد يكون من اللفظ أقوى، وقد يتقاربان» (١).

وقال: «الألفاظ لم تُقصد لذواتها، وإنما هي أدلة يُستدل بها على مراد المتكلم فإذا ظهر مراده، ووضح بأي طريق كان عمل بمقتضاه، سواء كان بإشارة، أو كتابة، أو بإيمائه، أو دلالة عقلية، أو قرينة حالية، أو عادة له مطّردة لا يخل بها، أومن مقتضى كماله وكمال أسمائه وصفاته وأنه يمتنع منه


(١) ابن القيم، إعلام الموقعين، ج ١، ص ٢١٧.

<<  <   >  >>