للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذن، فإرخاص النبي -صلى الله عليه وسلم- لفاطمة بالخروج من بيت مطلِّقها كان لعلّة وقفت عليها السيدة عائشة فلم تحكم بعموم قضائه -صلى الله عليه وسلم- على فاطمة بأن لا سكنى لها ولا نفقة كما هو الظاهر بل رأت أن هذا القضاء خاص بفاطمة أو بمن هي في حالتها وليس هو عامًا في جميع المطلقات ثلاثًا.

وإلى هذا الرأي الذي ذهبت إليه عائشة ذهب الجمهور من الفقهاء (١)، وهو ظاهر صنيع البخاري إذ قال: «باب المطلقة إذا خُشي عليها في مسكن زوجها أن يُقتحم عليها أو تبذوَ على أهلها بفاحشة» (٢). أي فلا سكنى لها.

[المثال الرابع: فسخ الحج إلى عمرة]

عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: "خرج رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه. قال: فأحرمنا بالحج، فلما قدمنا مكة قال: اجعلوا حجكم عمرة، قال: فقال الناس: يا رسول اللَّه قد أحرمنا بالحج كيف نجعلها عمرة؟ قال: انظروا ما آمركم به فافعلوا، فردّوا عليه القول، فغضب ثم انطلق حتى دخل على عائشة وهو غضبان فرأت الغضب في وجهه فقالت: من أغضبك أغضبه اللَّه؟ قال: وما لي لا أغضب وأنا آمر بالأمر فلا أُتبع" (٣).

هذا الحديث هو واحدٌ من أحد عشر حديثًا صحيحًا رويت في أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بفسخ الحج إلى عمرة (٤) وذلك في حجة الوداع.


(١) انظر: أبو الوليد بن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، دار الفكر، بيروت، ج ٢، ص ٧١، وسيشار له: ابن رشد، بداية المجتهد.
(٢) البخاري، الصحيح، مع شرحه فتح الباري، ج ٩، ص ٣٩١.
(٣) أحمد بن حنبل، المسند، ج ٤، ص ٢٨٦، ابن ماجة القزويني، السنن، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث، ج ٢، ص ٩٩٣.
(٤) انظر: ابن الهمام، شرح فتح القدير، ج ٢، ص ٤٦٣.

<<  <   >  >>