للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال: لا ولكنّه أطهر لمن اغتسل، ومن لم يغتسل فليس بواجب عليه، وسأخبركم عن بدء الغسل: كان الناس مجهودين يلبسون الصوف ويعملون، وكان مسجدهم ضيقًا، فلما آذى بعضهم بعضًا، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا".

قال ابن عباس: "ثم جاء اللَّه بالخير ولبسوا غير الصوف وكُفوا العمل، ووُسّع المسجد" (١).

فالملاحظ في اجتهاد ابن عباس هذا أنه نظر إلى علة الأمر بالغسل، فوجدها ما يترتب على تركه من أذى الناس بعضهم بعضًا، لما كان من ضيق المسجد ولبس الصوف والعمل قبل الصلاة، ومن ثَم انتفت هذه العلة؛ لما جاء اللَّه به من الخير ولم يعد الأذى متحققًا ولو ترك الغسل، لأن الناس لا يلبسون الصوف ولا يعملون قبل الصلاة والمسجد متسع، وإذا انتفت العلة انتفى الحكم، فأفتى -رضي الله عنه- بناءً على ذلك بعدم وجوب الغسل.

وإذن فحاصل اجتهاد ابن عباس رضي اللَّه عنهما: أنه تخصيص لعموم الأمر القاضي باستغراق الحكم كافة الأحوال بالتعليل، فمن احتمل أن يؤذي غيره برائحته أو غير ذلك وجب عليه الغسل ومن لا فلا. واللَّه أعلم.

[المثال السادس: سفر المرأة بغير محرم]

روى البيهقي من طريق الزهري عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها حدثته "أنها كانت عند عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فأُخبرت أن أبا سعيد الخدري يخبر عن رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يحل للمرأة أن تسافر ثلاثة أيام إلا ومعها ذو محرم" فالتفتت عائشة وقالت: ما كلهن لها ذو محرم" (٢).


(١) أبو داود، السنن، ج ١، ص ٩٧، حديث رقم (٣٥٣). وقال الحافظ في الفتح [٢/ ٤٢٢]: إسناده حسن.
(٢) البيهقي: أحمد بن حسين، معرفة السنن والآثار، ط ١، دار الكتب العلمية، بيروت ١٩٩١ م، ج ٤، ص ٢٤٣. ورواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عمرة عن عائشة به وهذا إسناد صحيح.

<<  <   >  >>