يمكن - بشيء من التجوز - تشبيه النص الشرعي القابل للتأويل برسالة أراد مرسلها منها الدلالة على أمر ما، لكنه - لغرض يريده - كتب ما أراد الدلالة عليه بحبر سرّي أو خفي، ثم كتب فوقه كلاما لا يقصد مدلوله بحبر عادي أو ظاهر.
فمقتضى المكتوب بالحبر الخفي هو مؤول النص، ومقتضى المكتوب بالحبر الظاهر هو ظاهر النص.
وموقع التعليل من هذا التشبيه هو تلك النار الهادئة التي إذا قربت إليها الرسالة برز مراد المرسل منها على التحقيق، وذلك أن التعليل يكشف عن المعنى المؤول للنص بعد أن كان خفيًّا ليبطل العمل بظاهر النص مع أنه كان واضحًا، كل ذلك سعيًا وراء تحقيق مراد الشارع من النص بالتحديد.
وعليه، فعمل التعليل في النص هو عمل توضيحيٌّ كشفيٌّ عن المراد منه، وليس هو تغييرًا أو نسخًا أو إبطالًا للنص، وذلك لأن النص لم يُلغَ بالتعليل بل بقي دالًا على معنى من معانيه يحتمله لغة، وهذا ليس هو شأن التعليل فقط، وإنما هو شأن القرائن كلها، ولم يقل أحد بأن صرف النص عن معناه الظاهر إلى المعنى المؤول لقرينة من القرائن هو تغيير أو إبطال أو نسخ له، وإنما هو تبيين لمراد الشارع منه.
نعم، هو إبطال لظاهر النص، لكن هذا شيء وإبطال النص بالكلية شيء آخر، والفرق بينهما كالفرق بين تقريب الرسالة إلى نار هادئة ليَظهر بذلك أن المراد بها هو ما دل عليه مكتوبُها الخفي دون ما دل عليه مكتوبها الظاهر وبين حرق هذه الرسالة بمكتوبيْها، الخفي والظاهر معًا.