للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنفس الصيغ التي هي الأصل واجب، لأنها مع المعاني كالأصل مع الفرع ولا يصح اتباع الفرع مع إلغاء الأصل» (١).

وبعد ذلك ذكر الشاطبي الطريق الثاني للنظر في النصوص فقال:

«والثاني من النظرين: هو من حيث يُفهم من الأوامر والنواهي قصد شرعي بحسب الاستقراء وما يقترن بها من القرائن الحالية أو المقالية الدالة على أعيان المصالح في المأمورات، والمفاسد في المنهيات» (٢).

وقال وهو بصدد توجيه هذا النظر وترجيحه:

«إن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن أشياء وأمر بأشياء وأطلق القول فيها إطلاقًا، ليحملها المكلف في نفسه وفي غيره على التوسط لا على مقتضى الإطلاق الذي يقتضيه لفظ الأمر والنهي، ومثل ذلك لا يتأتى مع الحمل على الظاهر مجرّدًا من الالتفات إلى المعاني، وقد نهى عليه الصلاة والسلام عن بيع الغرر (٣)، وإذا أخذنا بمقتضى مجرد الصيغة امتنع علينا بيع كثير مما هو جائز بيعه وشراؤه؛ كبيع الجوز واللوز والقسطل في قشرها، وبيع الخشبة والمغيبات في الأرض والمقاثي كلها، بل كان يمتنع كل ما فيه وجه مغيَّب، كالديار والحوانيت المغيبة الأسس، وما أشبه ذلك مما لا يحصى، ولم يأت فيه نص بالجواز، ومثل هذا لا يصح فيه القول بالمنع أصلًا، لأن الغرر المنهي عنه محمول على ما هو معدود عند العقلاء غررًا مترددًا بين السلامة والعطب، فهو مما خُصَّ بالمعنى المصلحي، ولا يُتّبع فيه اللفظ بمجرّده».


(١) الشاطبي، الموافقات، ج ٣، ص ١٤٧، ١٤٨ مع حذف ما لا حاجة إليه.
(٢) الشاطبي، الموافقات، ج ٣، ص ١٤٨.
(٣) مسلم، الصحيح، حديث رقم (٣٧٨٧).

<<  <   >  >>