قال:«وقد حكى إمام الحرمين عن ابن سريج أنه ناظر أبا بكر بن داود الأصبهاني في القول بالظاهر، فقال له ابن سريج: أنت تلتزم الظواهر وقد قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}[الزلزلة: ٧]، فما تقول فيمن يعمل مثقال ذرتين، فقال مجيبًا: الذرتان: ذرة وذرة فقال ابن سريج: فلو عمل مثقال ذرة ونصف؟ فتبلّد وانقطع، وقد نقل القاضي عياض عن بعض العلماء أن مذهب داود بدعة ظهرت بعد المائتين، وهذا، وإن كان تغاليًا في ردّ العمل بالظاهر، فالعمل بالظواهر أيضًا على تتبع وتغال بعيدٌ عن مقصود الشارع، كما أن إهمالها إسراف أيضًا. فإذا ثبت هذا، وعمل العامل على مقتضى المفهوم من علة الأمر والنهي، فهو جار على السَّنن، القويم، موافق لقصد الشارع في ورده وصدره»(١).
ثالثًا: تقي الدين أحمد بن تيمية:
تعرض ابن تيمية رحمه اللَّه في مسائل النسخ من «المسودة» إلى مسألة تأثير تعليل النص على دلالته فجاء فيها بتفصيل جديد قال: «الحكم العام أو المطلق، هل يجوز تعليله بما يوجب تخصيصه أو تقييده، سواء كان ثابتًا بخطاب أو بفعل؟ هذا فيه أقسام:
القسم الأول: ما كان عامًا للمكلفين فيدّعى تخصيصه بنفي التعليل، فمنه ما علم قطعًا بالاضطرار عمومه، فمُخصِّصه كافر كمدعي تخصيص تحريم الخمر بمن قد سبقه، أو بغير الذين آمنوا وعملوا الصالحات وسقوط الصلاة عمن دام حضور قلبه، إلى غير ذلك من دعوى اختصاص بعض المنتسبين إلى العلم أو إلى العبادة بسقوط واجب أو حل محرم، كما قد وقع لطوائف من المتكلمين والمتعبدين وهذا كفر، ومنه ما ليس كذلك لكن هو مثله.
(١) الشاطبي، الموافقات، ج ٣، ص ١٥١ - ١٥٤ مع حذف ما لا حاجة إليه.