«إنّ الاجتهاد بالرأي في الاستدلال من الكتاب والسنة إنما يعني الدقة في فهم النص وفي طريقة تطبيق حكمه، أو في مسالك ذلك التطبيق على ضوء من الملائمة بين ظروف الواقعة المعروضة والتي يتناولها النص، والمقصد الذي يستشرفه النص نفسُه من تطبيقه، وليس أبين على ذلك مثالًا من اجتهاد عمر -رضي الله عنه- برأيه في «المؤلفة قلوبهم» فإنه بدقة ملحظه في فهم النص وأنه «معلل» أي معقول المعنى وللرأي في فهمه مجال، وأن العلة - وهي التأليف - مَظِنة للمصلحة العامة للدولة التي تقتضي هذا التأليف، أدرك أنها علة زمنية على خطر الوجود والعدم، والحكم يدور معها، فلم ينظر عمر - بثاقب فكره - إلى مجرد الحكم بل إلى غايته أيضًا، ولم يطبقه آليًا دون نظر واجتهاد، بل وازن - في ظل ظروف الدولة القائمة آنذاك - بين علة الحكم وما تنطوي عليه من مصلحة عامة نظريًا وبين ما يفضي إليه تطبيق النص في هذه الظروف عمليًا، فرأى أن المصلحة العامة لا تقتضي التأليف في ذلك الظرف فأوقف تطبيق الحكم لتخلف مقصده إذ لا عبرة بالوسائل إذا لم تحقق المقاصد» (١).
فإن قيل: مسلّمٌ أن عمر -رضي الله عنه- رأى أن العلة في إعطاء المؤلفة قلوبهم لم تعد متحققة، ومن ثَم وبالبناء على ذلك منعهم، ولكن أين هذا مما جُلب المثال من أجله وهو صرف النصّ عن ظاهره بالتعليل؟ وأين هو ظاهر النص الذي أثرت عليه العلّة؟
(١) د. فتحي الدريني: المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي، ط ٢، الشركة المتحدة للتوزيع، دمشق، ١٤٠٥ هـ، ص ٢١٠ بحذف يسير.