للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهل اجتهاد عمر -رضي الله عنه- هذا إلاّ من قبيل انتهاء الحكم لانتهاء علّته كما قاله غير واحد من الأصوليين (١)؟

فالجواب: نعم هو من قبيل انتهاء الحكم لانتهاء علّته، وهذا لا ينفي القول بأنه من قبيل صرف النص عن ظاهره بالتعليل أو - بعبارة أدق - من قبيل تخصيص عموم النص بالعلة المستفادة منه، إذ الأمران سِيان وإنما الخلاف في وُجهة التعبير.

وظاهر النص الذي أثّرت عليه العلة هو العموم المعنوي القاضي بأن النصوص الشرعية - ومنها آية مصارف الصدقات - عامة في الأزمان والأحوال والأماكن واجبة التطبيق في كل عصر وحال ومكان إلا ما دلّ الدليل على تخصيصه. قال الزركشي رحمه اللَّه: «مما عُرف بالضرورة من دينه عليه السلام: أن كل حكم تعلّق بأهل زمانه فهو شامل لجميع الأمة إلى يوم القيامة» (٢).

فعمر -رضي الله عنه- بعد وقوفه على علّة النص خصص بها هذا العموم فرأى أن تطبيق الآية خاص بحال ضعف الأمة دون حال قوتها مع أن النص - بظاهره - خالٍ عن مثل هذا القيد، مقتض لتطبيق الحكم في كافة الظروف.

ويمكن، لمزيد من التوضيح، القول بأن اجتهاد عمر -رضي الله عنه- في هذه الواقعة يتحلَّل إلى خطوتين:

الأولى: استنباط علة حكم إعطاء المؤلفة قلوبهم من الصدقة.

الثانية: المواءمة بين مقتضى هذه العلة وبين مقتضى عموم النص في التطبيق مما أفضى به إلى تخصيصه وتقييده بحال دون أخرى وزمن دون آخر.


(١) انظر: عبد العلي الأنصاري، فواتح الرحموت، ج ٢، ص ٨٤، وابن الهمام، شرح فتح القدير، ج ٢، ص ٢٦٠.
(٢) الزركشي البحر المحيط، ج ٣، ص ١٨٤، وانظر: صلاح الدين العلائي الكيكلدي، تلقيح الفهوم في تنقيح صيغ العموم، ط ١، تحقيق ونشر د. عبد اللَّه آل الشيخ، ١٤٠٣ هـ، ص ٣٣٩.

<<  <   >  >>