للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبناء على ذلك يمكن القول بأن د. البوطي نأى عن الصواب في تكييفه اجتهاد عمر -رضي الله عنه- في هذه الواقعة بأنه من قبيل: «تحقيق المناط» إذ قال: «ولقد كان اجتهاد عمر في هذا متعلّقًا بتحقيق المناط، فلقد رأى أن الإسلام وصل شأنه إلى القمة في القوة والمنعة، سواء من الناحية المعنوية المتعلقة بسطوع حجته وبرهانه، أو من الناحية المادية المتعلقة بكثرة أهله وانتشاره.

أفلا يزال مناط حق الوافدين جديدًا إلى الإسلام في الزكاة متحققًا بعد؟ وهو كما قلنا حاجة التودد إليهم كي لا يندّوا عن الإسلام بعد أن دخلوا فيه. ومعلوم أن الاجتهاد المتعلق بتحقيق مناط الحكم لا علاقة له بأمر النص وإنما هو استجلاء لحقائق الأشياء وإدراكها على ما هي عليه لتعلق حكم شرعي بها، كاستجلاء حقيقة البلوغ في الصبي وتعيين المثلي لضمان المتلَف ولذلك قال الشاطبي: «إن الاجتهاد في تحقيق المناط لا يفتقر إلى العلم بمقاصد التشريع كما أنه لا يفتقر إلى علم العربية لأن المقصود من هذا الاجتهاد العلم بالموضوع على ما هو عليه» (١)» (٢).

والحق أن اجتهاد عمر -رضي الله عنه- كما سبق بيانه - ليس هو من قبيل «تحقيق المناط» الذي هو عمل تنفيذيٌ آلي محض، فحسب، بل هو من قبيل تخريج المناط باستنباط العلة أولًا.

ومن ثم النظر في تحقيق هذا المناط المستنبط في واقع الحال ثانيًا.

وإلا كيف يمكن السماح لمن ليس عنده علم بمقاصد الشارع ولا باللغة بأن يقدم على مثل اجتهاد عمر هذا؟!.


(١) الشاطبي، الموافقات، ج ٤، ص ٨٩ وما بعدها.
(٢) البوطي، ضوابط المصلحة، ص ١٣٠.

<<  <   >  >>