للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحاصل هذا الجواب أن اختلاف الصحابة في هذه الواقعة لم يكن بسبب اتباع العلة أو اتباع الظاهر وإنما بسبب تعارض الأوامر الشرعية: أحدها وهو المتقدم يوجب أن تؤدى صلاة العصر في وقتها، والآخر وهو المتأخر يوجب أن تؤدى الصلاة في بني قريظة بغض النظر عن وقت الأداء.

والخلاف الناشئ بسبب تعارض النصوص يجيزه ابن حزم ولا يُحرِّجُ فيه بخلاف الناشئ عن اتباع العلل (١).

ولا يخفى تكلف هذا الجواب على ذي نظر، إذ على فرض تسليم التعارض بين الأوامر كما يدعيه ابن حزم رحمه اللَّه، فإن المتعارضيْن عام متقدم وخاص متأخر: عام يأمر بالمحافظة على صلاة العصر بشكل عام وأدائها في وقتها، وخاص ينهى عن صلاة عصر معينة في يوم معين لأناس معينين، ومن المحال على الصحابة وهم أفقه هذه الأمة وأعلمها أن يقدِّموا العام المتقدم على الخاص المتأخر لاسيما وقد تعاضدت أقوال الأصوليين - حتى ابن حزم - على أن الخاص المتأخر يقضي على الخاص المتقدم (٢) فكيف لا يقضي على العام الذي هو أضعف دلالة.

وما مَثَلُ من قدم العام المتقدم على الخاص المتأخر إلا كمثل سيد قال لغلامه: لا تُدْخل أحدًا عليَّ ثم جاءه بعد حين وقال له: إذا جاء زيد فأدخله، فجاء زيد فلم يسمح له الغلام بالدخول فلما وصل الأمر إلى السيد قال لغلامه: لِمَ لمْ تسمح له بالدخول وقد أمرتك بإدخاله فقال الغلام مجيبًا: إنه قد سبق منك أمر لي بعدم إدخال أحد وعلى هذا الأمر اعتمدت فقدمته على أمرك المتأخر فهل تستقيم عند ذوي العقول حجة هذا الغلام؟


(١) انظر: المرجع السابق، ج ٨، ص ١٤٦ - ١٤٩.
(٢) انظر: ابن حزم، الإحكام، ج ٢، ص ٢٢ و ج ٤، ص ٥٤ والآمدي: الإحكام، ج ٣، ص ٢٥٨.

<<  <   >  >>