وقد تكون الضرورة في الأقل أعظم من الأكثر كما لو وجد رجلًا يغصب في مفازة قربة ماء لرجل معه عدة قرب تزيد على حاجته ولو دفعه عنها لغصب كوزًا لرجل ليس معه غيره فيهلك بذلك عطشًا.
ففي هذه المسألة يترجح بل يتعين عدم الدفع عن القربة، والله أعلم.
وهذه كلها دقائق واقعة في محل اجتهاد المنكر فليتفطن لها، ولا يقدم على هذه الأحوال إلا من كان عالمًا بأحكامها، فإن العامي لا ينبغي له أن ينكر إلا الجليات المعلومات كشراب الخمر والزنا وترك الصلاة ونحو ذلك على الوجه المشروع، ومتى خاض في مثل هذه الدقائق كان ما يفسده أعظم مما يصلح.
قال النووي –رحمه الله- في الروضة قال أصحابنا: وإنما يأمر وينهي من كان عالمًا بما يأمر به وينهي عنه، وذلك يختلف بحسب الأشياء، فإن كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة فكل الناس عالمون بها، وإن كان من دقائق الأقوال والأفعال لم يتمكن الإنكار إلا للعلماء، ويلتحق بهم من أعلمته العلماء بأن ذلك مجمع عليه، ثم العلماء إنما ينكرون ما أجمع علي إنكاره وأما المختلف فيه في إنكار فيه، لأن كل مجتهد مصيب أو المصيب واحد ولا نعلمه، ولم يزل الخلاف بين الصحابة والتابعين في الفروع ولا ينكر أحد على غيره وإنما ينكرون ما خالف نصًا أو إجماعًا أو قياسًا جليًا، انتهى.
تنبيه:
قال الغزالي: فإن قيل فالمكروه الذي يتوقع المنكر إصابته وإن لم يكن متيقنًا ولا معلومًا بغالب الظن، / ولكن كان مشكوكًا فيه وكان غالب ظنه أنه لا يصاب بمكروه، ولكن احتمل أن يصاب بمكروه، فهذا الاحتمال هل يسقط الوجوب حتى لا يجب إلا عند تيقن السلامة أم يجب في كل حال إلا إذا غلب على ظنه أنه يصاب بمكروه ولم يجب الإنكار؟
لأن الظن الغالب في هذه الأبواب في معنى العلم وإن غلب على ظنه أنه لا