يصاب وجب، ومجرد التجويز لا يسقط الوجوب، فإن ذلك ممكن في كل بحسبه، وإن شك فيه من غير رجحان فهذا محل النظر، فيحتمل أن يقال الأصل الوجوب بحكم العمومات، وإنما يسقط بمكروه والمكروه هو الذي يظن أو يعلم حتى يكون متوقعًا، وهذا هو الأظهر، ويحتمل أن يقال إنما يجب عليه إذا علم أنه لا ضرر فيه أو ظن أنه لا ضرر فيه عليه والأول أصح نظرًا إلى أقضية العمومات الموجبة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فإن قيل: فالتوقع للمكروه يختلف بالجبن والجراءة، والجبان الضعيف القلب يرى البعيد قريبًا، حتى كأنه يشاهده ويرتاع منه والمتهور الشجاع يستبعد وقوع المكروه بحكم ما جبل عليه من حسن الأمل حتى إنه لا يصدق به إلا بعد وقوعه، فعلام التعويل؟
قلنا: التعويل على اعتدال الطبع، وسلامة العقل والمزاج، فإن الجبن مرصد وهو ضعف في القلب بسبب قصوره في القوة، والتفريط والتهور في إفراط في القوة وخروج عن الاعتدال بالزيادة، وكلاهما نقصان، وإنما الكمال في الاعتدال المعبر عنه بالشجاعة. فعلى الجبان أن يتكلف إزالة الجب بإزالة علته وعلته جهلًا وضعفًا، فيزول الجهل بالتجربة، ويزول الضعف بارتكاب الفعل المخوف منه تكلفًا حتى يصير معتادًا. إذ المبتدئ في المناظرة والوعظ مثلًا قد يجبن عند طبعه لضعفه فإذا مارس واعتاد فارقه الضعف، بأن صار ذلك ضروريًا غير قابل للزوال فعذر ذلك الضعيف يتبع حالة فيعذر، كما يعذر المريض في التقاعد عن بعض الواجبات، والله أعلم.
٤ - فصل
ومن ترك الإنكار/ على من هو خاص به كأستاذة الذي يعلمه العلم خوفًا من أن يقبح حاله عند أستاذه فيمنع تعليمه، أو ترك الإنكار على طبيب يدخل