للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

عليه لابس حرير خوفًا من أن يهجره فيمتنع بسبب هجره صحته المنتظرة، أو على السلطان المحسن إليه وأصحابه ومن يؤتيه من ماله خوفًا أن ينقطع عنه الإحسان والمواساة في المستقبل، أو على من يتوقع من نصرة وجاهًا في المستقبل خيفة أن لا يصل ذلك الجاه أو يقبح حاله عند سلطان يتوقع منه ولاية، ففي هذه الصورة الأربع يسقط عنه وجوب الإنكار فإن كل ما يفوته فيها بالإنكار زيادات امتنعت، وتسمية امتناع حصول الزيادات ضررًا مجازًا.

قال الغزالي: ولا يستثنى من هذا إلا ما يكون في فواته محذور يزيد على محذور عدم الإنكار كما لو احتاج إلى الطبيب لمرض ناجز، والصحة منتظرة بمعالجته ويغلب على ظنه أن في امتناع الطبيب زيادة الضنى وطول المرض، فلا يبعد أن يكون هذا مرخصًا، وكما لو كان جاهلًا بمهمات دينه ولم يجد إلا معلمًا واحدًا وعلم أن إنكاره يكون سببًا لعدم وصوله إلى مطلبه، فإن تفاحش الجهل واشتدت الحاجة إلى ما يقصده من العلم كان ذلك مبيحًا للسكوت، وإلا فلا، وكما لو عجز عن الكسب والسؤال ولم يكن قوي التوكل، ولا ينفق عليه إلا شخص واحد، ولو أنكر عليه لقطع الإنفاق عنه فافتقر إلى تحصيله إلى إدرار حرام أو مات جوعًا فهذا إذا اشتد الأمر لم يبعد أن يرخص له في السكوت، وكما إذا كان شريرًا يؤذيه، ولا يجد سبيلًا إلى دفع شره إلا بجاه يكتسبه من سلطان ولا يقدر إلى التوصل إلى السلطان إلا بواسطة شخص يلبس الحرير ويشرب الخمر، ولو أنكر عليه لم يكن له واسطة، وامتنع حصول الجاه ودام أذى الشرير له، فهذه الأمور كلها إذا ظهرت وقويت لم يبعد استثناؤها، ولكن الأمر فيها منوط/ باجتهاد المنكر حتى يستفتي فيها قلبه ويزن أحد المحذورين بالآخر، ويرجح بنظر الدين لا بموجب الهوى والطبع، فإن رجح بموجب الدين سمي سكوته مداراة، وإن رجح بموجب الهوى سمى سكوته مداهنة، وهو أمر باطن لا يطلع عليه إلا بنظر دقيق، ولكن الناقد بصير فحق على كل متدين

<<  <   >  >>