وشأن الفقيه وحرفته تبليغ ما بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن العلماء ورثة الأنبياء، وليس للإنسان منهم أن يقعد في بيته ولا يخرج إلى المسجد لأنه يرى الناس لا يحسنون الصلاة، بل إذا علم ذلك وجب عليه الخروج للتعليم والنهي. وكذلك كل من يتقن أنه في السوق منكراً يجري على الدوام أو في وقت بعينه وهو قادر على تغييره فلا يجوز له أن يسقط ذلك عن نفسه بالتفرد في البيت، بل يلزمه الخروج.
فإن كان لا يقدر على تغيير البعض/ لزمه الخروج، لأن خروجه إذا كان ٢٨٧ لأجل تغييره ما يقدر عليه فلا يضره مشاهدة ما لا يقدر على تغييره، وإنما يمنع الحضور لمشاهدة المنكر من غير غرض صحيح فحق على كل مسلم أن يبدأ بنفسه فيصلحها بالمواظبة على الفرائض وترك المحرمات، ثم يعلم ذلك أهله وأقاربه ثم يتعدى بعد الفراغ منهم إلى جيرانه ثم إلى أهل محلته ثم إلى أهل بلده، ثم إلى السواد المكتف لبلده، ثم إلى أهل البوادي من الأكراد والعرب وغيرهم، وهكذا إلى أقصى العالم.
فإن قام به الأدنى سقط عن الأبعد وإلا حرّج به كل قادر عليه قريباً كان أو بعيداً.
ولا يسقط الحرج ما دام يبقى على وجه الأرض جاهل بفرض من فروض دينه وهو قادر على أن يسعى إليه بنفسه أو بغيره فيعلمه فرضه.
وهذا شغل شاغل لمن يهمه أمر دينه يشغله عن توجيه الأوقات في التفريعات النادرة والتعمق في دقائق العلوم التي هي من فروض الكفايات، ولا يتقدم على هذا إلا فرض عين أو فرض كفاية هو أهم منه والله أعلم، انتهى.
وعلم أيها الأخ الحريص على خلاص نفسه أن الله تعالى فرض عليك أن تستقيم وأن تتعلم العلم بكيفية الاستقامة في كل حالة أقامك فيها وفرض عليك أن تتعلم ما افترض على أهلك لتعلمهم إياه أو تمكنهم من التعلم حيث لا مانع، فإن لم تفعل كان كل ما فرطوا فيه من الواجبات في عنقك.