للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقد قال السيد الجليل الزاهد أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز –رحمه الله تعالى- ما ساح السياح وخلوا ديارهم وأولادهم إلا لمثل ما نزل بنا حين رأوا الشرَّ قد ظهر والخير اندرس، ورأوا الفتن ولم يأمنوا أن تغيرهم، وأن ينزل العذاب بأولئك القوم، فلا يسلمون منه، فرأوا أنَّ مجاورة السباع وأكل البقول خير من مجاورة هؤلاء في نعيمهم. ثم قرأ {فِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [سورة الذاريات: ٥٠]. قال: ففرَّ قوم، فلولا ما جعل الله جلَّ ثناؤه في النبوة ما جعل لقلنا ما هم بأفضل من هؤلاء، فمما بلغنا أن الملائكة لتلقاهم وتصافحهم، والسحاب والسباع نمر بأحدهم فيناديهم فتجيبه، ويسألها أين أمرت؟ فتجيبه، وليس بنبي.

وقال حذيفة رضي الله عنه: يأتي على الناس زمان لأن تكون فيه جيفة حما أحب إليهم من مؤمن يأمرهم وينهاهم.

ووالله إن هذا الزمان الذي ذكره حذيفة، لأن من تصدى في هذا الزمان للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثقل على القلوب وإن كان خفيفًا، وسمج في العيون وإن كان لطيفًا، ورمي بالكذب وساءت فيه الظنون، وقصد بالأذى، وكثر أعداؤه، وقلَّ أصدقاؤه، ورمي وألقي في مهاوي الردى، وأعملت الفكر في كيفية الخلاص منه، والراحة من مشاهدته، بل في قتله واستئصال شأفته.

وقد خرج الترمذي من حديث علي –رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رحم الله عمر: يقول الحق وإن كان مرَّاً، تركه الحق وما له من صديق».

وقال كعب الأحبار لأبي مسلم الخولاني: كيف منزلتك من قومك؟ قال: حسنة. قال كعب: إن التوراة/ لتقول غير ذلك، قال: وما تقول؟ قال تقول:

<<  <   >  >>