للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الغيبة إذ ليس في مثل هذا إلا زوال فضلات الجاه التي ليس إليها كبير حاجة، ولا ينفك الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر غالبًا عن مثل هذا في غيبته أو حضوره، فلو اعتبرنا ذلك عذراً لانسد باب الوجوب، اللهم إلا أن يكون ذلك المنكر هو الغيبة.

واعلم أنه إذا أنكر عليه إضافة إليه في الغيبة ولم يسكت فإذًا لا يجوز الإنكار، لأن إنكاره إذ ذاك يكون سببًا لزيادة الغيبة، فإن علم أنه يسكت عن غيبته ذاك، ويشرع في غيبة المنكر سقط عنه الوجوب، لأنه إبطال معصية بمعصية مثلها، ولكن يستحب له ذلك ليفدي عرض ذلك المغتاب بعرض نفسه.

وقد دلت عموم الآيات والأخبار على تأكيد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى عظم الخطر في السكوت عنهما، فلا يسقط ذلك إلا بفوات ما عظم في الدين خطره، والمال والنفس والمروءة، وقد ظهر في الشرع خطرها فأما مزايا الجاه والحشمة ودرجات التجميل وطلب ثناء الخلق، فكل ذلك لا خطر له ولا يسقط / به الوجوب، انتهى ملخصًا.

تنبيه:

إنما يستحب له الإقدام على ما يعلم أن فيه القتل والضرب وأخذ المال، إذا علم أن ذلك لا يتعدى إلى غيره، فإن علم أنه يضرب معه أحد من أصحابه الذين لا يحملهم على الإنكار معه إلا مجرد الطاعة له، أو الموافقة أو علم أنه يضرب معه أحد من أقاربه وجيرانه أو يؤخذ ماله، إذ ليس للمنكر مال يؤخذ منه، كالزاهد الذي له أقارب أغنياء، فإنه ليس له مال يخاف عليه إن أنكر على السلطان، ولا إن كسر شيئاً من الملاهي، أو أراق خمراً لظالم وهرب ولكن علم أنه يمسك قريبه الغني، فيغرم، ويؤخذ ماله، ويعرض للانتقام بسبب إنكاره.

ففي هذه الصور كلها لا يجوز الإنكار، بل يحرم عليه، لأنه عجز عن دفع منكر إلا بأن يفضي إلي منكر آخر الثاني أن يكون مثل المنكر الأول وأعظم منه، فإن كان أقل منه وجب الإنكار، مثال ذلك لو رأى إنسانًا يريد ذبح دجاجة

<<  <   >  >>