للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

“وَكَذَلِكَ مَسْأَلَة الْقدر الَّتِي هِيَ من جملَة فروع هَذَا الأَصْل فَإِنَّهُ اجْتمع فِي الْأَفْعَال الْوَاقِعَة الَّتِي نهى الله عَنْهَا: أَنَّهَا مُرَادة لَهُ لكَونهَا من الموجودات، وَأَنَّهَا غير محبوبة لَهُ بل ممقوتة مبغوضة [فَزَعَمت الْقَدَرِيَّة أَن الْأَمر مُسْتَلْزم للإرادة الَّتِي هِيَ محبته وَرضَاهُ فَيكون قد شَاءَ الْمَأْمُور بِهِ وَلم يكن، وَأَن الله سُبْحَانَهُ لم يَشَأْ المنهيات وَوَقع الْمنْهِي عَنهُ بِدُونِ مَشِيئَته] ١ فأثبتوا وجود الكائنات بِدُونِ مَشِيئَته، وَلِهَذَا لما قَالَ غيلَان القدري٢ لِرَبِيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن٣: يَا ربيعَة نشدتك الله أَتَرَى الله يحب أَن يعْصى؟

فَقَالَ لَهُ ربيعَة: أفترى الله يعْصى قسراً؟ ” فَكَأَنَّهُ ألقمه حجرا يَقُول لَهُ نزهته عَن محبَّة الْمعاصِي فسلبته الْإِرَادَة وَالْقُدْرَة وَجَعَلته مقهوراً مقسوراً٤.

وَقَالَ من عَارض الْقَدَرِيَّة: بل كل مَا أَرَادَهُ الله فقد أحبه ورضيه، ولزمهم


١ - مَا بَين القوسين زِيَادَة من الباحث أوجبهَا السِّيَاق إِذْ فِي الْكَلَام سقط ظَاهر يخل بِصِحَّة الْمَعْنى.
٢ - هُوَ غيلَان بن مُسلم يُقَال لَهُ غيلَان بن أبي غيلَان، قدري، ضال، كَانَ من بلغاء الْكتاب وَكَانَ دَاعِيَة للقدر، دَعَا عَلَيْهِ عمر بن عبد الْعَزِيز فَقتل وصلب، وَكَانَ غير ثِقَة وَلَا مَأْمُون.
أنظر تَرْجَمته فِي لِسَان الْمِيزَان ٤/٤٩٢ - ٤٩٣.
٣ - هُوَ ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن فَرُّوخ، أَبُو عُثْمَان وَيُقَال أَبُو عبد الرَّحْمَن الْقرشِي التَّيْمِيّ مَوْلَاهُم، الْمَشْهُور بربيعة الرَّأْي، الإِمَام، مفتي الْمَدِينَة، وَكَانَ من أَئِمَّة الِاجْتِهَاد، وَكَانَ فَقِيها عَالما حَافِظًا للفقه والْحَدِيث توفّي بِالْمَدِينَةِ وَقيل بالأنبار سنة ١٣٦هـ‍ فَقَالَ مَالك “ذهبت حلاوة الْفِقْه مُنْذُ مَاتَ ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن”.
انْظُر تَرْجَمته فِي سير أَعْلَام النبلاء ٦/٨٩ - ٩٦.
٤ - هَذَا فِي قَول الْقَدَرِيَّة وَمِنْهُم الْمُعْتَزلَة إِن الله لم يَشَأْ كفر الْكَافِر وَلَا فسق الْفَاسِق وَزَعَمُوا أَن الله شَاءَ الْإِيمَان من الْكَافِر لَكِن الْكَافِر شَاءَ الْكفْر.
انْظُر الْفَصْل فِي الْملَل والأهواء والنحل ٣/١٨٠ وَشرح العقيدة الطحاوية ١/٣٢١.

<<  <   >  >>