للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول ابنُ كثير: {وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ}. قال ابنُ عبَّاس: أي اطبع عليها، {فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ}. وهذه الدَّعوةُ كانت من موسى- عليه السَّلام- غضباً لله ولدينه على فرعون وملئه الذين تبيَّن له أنَّه لا خيرَ فيهم، ولا يجيء منهم شيء؛ كما دعا نوح- عليه السَّلام- فقال: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} انتهى (١).

ويقول القُرطبيُّ: وقد استشكل بعضُ النَّاس هذه الآية فقال: كيف دعا عليهم، وحكمُ الرُّسُل استدعاء إيمان قومهم؟ (٢).

فالجواب: أنَّه لا يجوز أن يدعو نبيٌّ على قومه إلَّا بإذن من الله، وإعلام أنَّه ليس فيهم مَن يؤمن ولا يخرج من أصلابهم مَن يؤمن دليلُه قولُه لنوح- عليه السلام: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ}؛ وعند ذلك قال: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}. انتهى.

ويقولُ الشَّيخُ أحمد النّفراويّ: اختُلف في جواز الدُّعاء على المسلم العاصي بسوء الخاتمة (٣).

قال ابنُ ناجي: أفتى بعضُ شيوخنا بالجواز محتجًّا بدعاء موسى على فرعون بقوله تعالى حكايةً عنه: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [يونس: ٨٨].

والصَّوابُ عندي أنَّه لا يجوز، وليس في الآية ما يدلُّ على الجواز؛ لأنَّه فرَّق بين الكافر المأيوس من إيمانه كفرعون، وبين المؤمن العاصي المقطوع له بالجنَّة؛ إمَّا ابتداءً أو بعد عذاب. انتهى.


(١) تفسير القرآن العظيم ٤/ ٢٩٠.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ٨/ ٣٧٥.
(٣) الفواكه الدواني ١/ ٤٧٠.

<<  <   >  >>