للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال بعضُ السَّلَف: إذا جاء الإعراب ذهب الخشوع. وهذه كما يكره تكلُّف السَّجع في الدُّعاء؛ فإذا وقع بغير تكلُّف فلا بأس به؛ فإنَّ أصلَ الدُّعاء من القلب، واللِّسان تابعٌ للقلب. ومَن جَعَل همَّتَه في الدُّعاء تقويمَ لسانه أضعف توجُّهَ قلبه؛ ولهذا يدعو المضطرُّ بقلبه دعاءً يفتح عليه لا يحضره قبل ذلك؛ وهذا أمر يجيده كلُّ مؤمن في قلبه، والدُّعاءُ يَجوز بالعربيَّة وبغير العربيَّة، والله- سبحانه- يَعلم قصدَ الدَّاعي ومرادَه، وإن لم يقوِّم لسانه فإنَّه- سبحانه- يعلم ضجيجَ الأصوات باختلاف اللُّغات على تنوُّع الحاجات) (١).

١٤ - الدُّعاءُ بالألفاظ الأعجميَّة غير معروفة المعنى: كأن يَخترع كلمة (٢) أو دعوة أعجمية.

والدَّليلُ قولُه تعالى: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} (٣).

وجهُ الدِّلالة: أنَّ معناها أن أسألك ما ليس لي بجواز سؤاله علم. فدلَّ ذلك على أنَّ العلمَ بالجواز شرطٌ في جواز السُّؤال؛ فما لا يعلم جوازُه لا يجوز سؤالُه، وأكَّدَ الله تعالى ذلك بقوله: {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}.

واللَّفظُ الأعجميُّ غيرُ معلوم الجواز؛ فيكون السُّؤالُ به غيرَ جائز؛ ولذلك منع مالك الرّقى به (٤).


(١) الفتاوى (٢٢/ ٤٨٨ - ٤٨٩).
(٢) كلمة (لغسلمون) يكتبها بعض الناس بعد العصر آخر جمعة من رمضان من الحفظة وقد كرهها كثير من الفضلاء لعجمتها.
(٣) سورة هود، آية: ٤٦.
(٤) الفروق للقرافي.

<<  <   >  >>