جهلك عاقلاً وفي أمرك حكيماً وفي عجزك حلمياً، الزم الصمت تكسب صفو المودة وتأمن سوء المغبة وتلبس ثوب الوقار وتكفى مؤنة الاعتذار، الصمت أية الفضل وثمرة العقل وزين العلم وعين الحلم، فالزمه تلزمك السلامة واصحبه تصحبك الكرامة، وقال بعض الفضلاء اعقل لسانك إلا عن عظة شافية يكتب لك أجرها أو حكمة بالغة يحمد عنك نشرها الحذر خير من الهذر لأن الحذر يقي المهجة والهذر يضعف الحجة، من أفرط في المقال زل، ومن استخف بالرجال ذلّ، جرح الكلام أشدّ من جرح السهام، ضرب اللسان أشدّ من طعن السنان، ولله در من قال:
جراحات السنان لها التئام ... ولا يلتام ما جرح اللسان
لا تنصح من لا يثق بك ولا تشر على من لا يبقل منك، إذا سكتَّ عن الجاهل فقد أوسعته جواباً وأوجعته عقاباً، منقبة المرء تحت لسانه، نصرة الوجه في الصدق، هات ما عندك
تعرف به، لا كرامة للكاذب، إذا لم تخش فصل وإذا لم تستح فقل، وما أحسن قول القائل:
إذا لم تخش عاقبة الليالي ... ولم تستح فافعل ما تشاء
فلا والله ما في ذين خير ... ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
قال بعض الحكماء:
من نقل إليك فقد نقل عنك، ومن شهد لك فقد شهد عليك ومن تجرأ لك فقد تجرأ عليك، لا تقبل الخير من كذاب وإن أتى بحديث عجاب، تلعموا العلم للأديان والنحو للسان والطب للأبدان، ومن وعظك فقد أيقظك ومن بصرك فقد نصرك، قيل أوصى علي رضي الله عنه ابنه أبا محمد الحسن رضي الله عنه فكان من وصيته له يا بني أوصيك بتقوى الله عز وجل في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الرضا والغضب، والقصد في الفقر والغنى، والعدل على الصديق والعدو، والعمل في النشاط والكسل، والرضا عن الله عز وجل في الشدة والرخاء، واعلم يا بني أن من أبصر عيب نفسه شغل عن عيب غيره، ومن رضي بقسم الله لم يحزن على ما فاته، ومن سل سيف البغي قتل به، ومن حفر لأخيه بئراً وقع فيها، ومن نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره، ومن سلك مسالك السوء اتُهم، ومن خالط الأنذال حُقّر، ومن جالس العلماء وُقّر، ومن مزح استُخف به، ومن أكثر من شيء عُرف به، ومن كثر كلامه كثر خطؤه، ومن كثر خطؤه قلّ حياؤه، ومن قلّ حياؤه قلّ ورعه، ومن قلّ ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار، يا بني من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير،