والجهل في الشام، والعلم في العراق، والحساب في قبط مصر، والحمق في الطويل والكذب في القصير، والظلم والزنا في ذي الشامات، والحفظ في العميان، وسوء الخلق في العرجان، والعجلة في الصبيان، والمراء في العلماء، والحرص في المشايخ، والذل في الأيتام، والفصاحة في اليمن والحجاز، والسلامة في العزلة والصحة في الحمية، وقال حكيم إذا أراد الله أمراً هيأ أسبابه، لا فرح إلا بالحسنات ولا حزن إلا على السيئات، لا تتعبنّ جسدك إلا في كدّ على عيال أو عبادة لذي الجلال، قيل لبعض العرب ما المروءة؟ قال سمو الهمة وصيانة النفس عن المذمة، قيل فما الحلم؟ قال كظم الغيظ وضبط النفس عند الغضب وبذل العفو عند القدرة، قيل فمن أظلم الناس لنفسه قال من تواضع لمن يكرهه ومدح من لا يعرفه، قيل فمن أعظم الناس حلماً؟ قال من قمع غضبه بالصبر وجاهد هواه بالعزم، وقيل لبعض الملوك ما بلغ بك هذه
المنزلة، فقال بعفوي عند قدرتي وليني عند شدتي وبذل الإنصاف ولو من نفسي وإبقائي في الحب والبغض محلا لموضع الاستبدال، وقال بعض الأدباء ليس لسلطان العلم زوال بخلاف سلطان المال، الإحسان يقطع اللسان، الشرف بالعقل والأدب لا بالمال والنسب، أحسن الأدب حسن الخلق، أفقر الفقر الحمق، إذا قدرت على عدوّك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه، ولله در القائل:
بنيّ استقم فالعود تنمو عروقه ... قويما ويغشاه إذا ما التوى التوا
وعاص الهوى المردى فكم من محلق ... إلى الجوّ لما أن أطاع الهوى هوى
وقال بعض الفضلاء من لم تؤدبه الكرامة قوّمته الإهانة، وما أحسن قول القائل:
متى تضع الكرامة في لئيم ... فإنك قد أسأت إلى الكرامة
وقد ذهب الصنيع به ضياعاً ... وكان جزاؤها طول الندامة
من استعد الغنى ليوم الفقر فقد استعد لنائلة الدهر، من لم يقنع لم يشبع، من لم يقنع بتجاربه أوقعه الدهر في نوائبه، من قال لا أدري وهو يتعلم أفضل ممن يدري وهو يتعظم، من لم يستفرغ في العلم المجهود لم يبلغ منه المقصود، من جهل النعم عرف النقم، من أدمن قرع الباب ولج، من أخذ في أموره بالاحتياط سلم من الاختلاط، من أكرم حراً تعبده ومن منّ بمعروفه أفسده، من تشجع وجهه جبن قلبه، من قلّ حياؤه كثر ذنبه، من أكثر الرقاد حرم المراد، من لم يحتمل بشاعة الدواء دام ألمه، من لم