والمقصود: أنَّ الاستنباط من المذاهب جائز بقدر الضرورة، فمن كان أهلًا للاستنباط واضطرَّ إليه في مسألة، ولم يقدر على تحصيل ما هو أوثق منه، واحتاط بقدر إمكانه= فلا حرج عليه إن شاء الله وإن أخطأ، وكذلك من تبعه ولم يقدر على تحصيل ما هو أوثق من قوله، ومع ذلك احتاط بقدر الإمكان.
ومن حكمة الله البالغة ورحمته السَّابغة أنَّ غالب البدع لا يدَّعي أصحابها ومن شُبِّهت عليهم أنَّها من أركان الإيمان، ولا فرائض الإسلام، ولا الواجبات المحتَّمة، وإنَّما غايتهم دعوى أنَّها مستحبَّة، وذلك تيسير من الله عزَّ وجلَّ لطريق الاحتياط لمن أراده، فما عليك إلَّا أن تتحرَّى فيما قيل إنَّه مستحب، وقيل إنَّه بدعة.
فإن كنت ممَّن يستطيع الوصول إلى المجرى المحفوظ فانظر، فإن وجدتَ ما يُثلج صدرك من الدلالة على أنَّه من الدِّين، أو على أنَّه ليس منه= فالزم ذلك.
وإن اشتبه عليك فدَعْه عالمًا أنَّ اجتناب البدعة أحق من فعل المستحب، وأنَّ ارتكاب البدعة من الخطر بحيث لا يوازنه ترك المستحب.
على أنَّك بتركك لذلك الشيء حذرًا من أن يكون بدعة، لك أجر عظيم أعظم مِن أجر مَنْ فَعَل مستحبًّا، وإن فعلتَه مع خشية أن يكون بدعة فعليك إثم البدعة، وإن كان في نفس الأمر غير بدعة!
وإن لم تستطع الوصول إلى المجرى المحفوظ فإن ظفرت بمَن وصل إليه وهو ثقة مأمون بريء من التعصب، وقد اطَّلَع على قول من قال: إنَّ ذلك