"وإلى مبهم" هذا هو القسم الثاني الذي يقابل المعين، "وإلى مبهم" مبهم من الإبهام، وهو عدم التعيين، الإبهام هو عدم التعيين إذا قيل جاء الذي، قالوا:(الذي) هذا اسم موصول وهو مبهم، (هذا) اسم إشارة وهو مبهم، لا يتعين إلا بالمشار إليه، (هذا زيد)، (جاء الذي قام أبوه) إذن (الذي، وهذا) من المبهمات، لماذا؟ لأن المراد منها عند إطلاقها غير معين، لابد أن يأتي شيء آخر يبين المراد منها، هنا قال:"مبهم" غير معين، "في أقسام محصورة" لأنه لو أوجب شيئا مبهما لا في أقسام محصورة صار من التكليف بالمحال، لا يمكن هذا يتصور، أن يأمرك بشيء مبهم، ماهو؟ الله أعلم به، أن يأمرك بشيء مبهم ثم لا يحصره لك في شيء معين، هذا لا يقع وإنما يكون من التكليف بالمحال، وإنما قال:"في أقسام محصورة" لحكاية الواقع الذي جاء به الشرع، وهذه بعضهم ينكر وجوده، لكن الصواب أنه ثابت وجائز عقلا وواقع شرعا، أما جائز عقلا فلا يمتنع أن يقول الأب لولده (ائت بكذا أو كذا)، خيره بين شيئين، أو أن يقول السيد لعبده (خِط لي ثوبا أو ائت بماء) خيره بين شيئين إذا أتى بواحد منهما أجزأ وأسقط الطلب، إذن بالعقل لا يمنع، وبالشرع أيضا هو واقع، قال تعالى:[فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ]{المائدة:٨٩}، [أو] هذه للتخيير، إذن هل الواجب كل هذه الثلاثة أشياء؟ لا، وإنما الواجب واحد، ما هو؟ نقول مبهم، مطلقا؟ مبهم مطلق؟ نقول: لا، مبهم في أقسام محصورة، عدَّ لك ثلاثة أشياء وخيرك أيها المكلف تخفيفا ورحمة أن تختار أنت، فحينئذ لو ترك الجميع أثم، لو فعل الجميع أُجر، قيل على أعلاها، وقيل على أدناها، قال:"مبهم في أقسام محصورة" وهذا الذي يسميه الأصوليون الواجب المخير، والأول الواجب المعين، واجب معين وواجب مخير، إذن "مبهم في أقسام محصورة" يجزيء واحد منها، يعني يجزيء ويسقط الطلب فعل واحد منها، لماذا؟ لأن الشرع قد خيرك أيها المكلف في فعل واحد، وعين لك ثلاثة أشياء كما في خصال الكفارة، واضح هذا؟ إذن نقول ينقسم الواجب باعتبار الفعل نفسه بالنظر إلى ما طلبه الشارع إلى نوعين: واجب معين وواجب مخير، "واجب معين" عين لك شيئا واحدا ليس لك الخيار في تركه، كقوله تعالى:[وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ]{البقرة:٤٣} عين لك الصلاة، هل يقوم غير الصلاة مقامها؟ الجواب: لا، "وإلى واجب مخير" يعني خيرك الشرع بين أشياء هو الذي حصرها لك، فذكر لك عدة أشياء، ثلاثة أو أربعة، وقال لك يجب عليك واحد منها، أي شيء فعلته منها أجزأ وأسقط الطلب وبرأت الذمة، [فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ]{المائدة:٨٩} حدد لك ثلاثة أشياء، الواجب منها واحد فقط، نسميه هذا واجب مخير.