اعلم أن الناهي عن المنكر يغير أولا باليد، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، ولا يكفي الوعظ لمن يمكنه الإزالة باليد، ولا يكفي بالقلب لمن يقدر على النهي باللسان، ويرفق بالجاهل أو الظالم الذي يخاف شره، وليس للآمر والناهي البحث والتجسس ولا اقتحام الدور بالظنون، وإن غلب على الظن إستسرار قوم بالمنكر بآثار وإمارات، فإن كان مما يفوت تداركه بأن أخبره ثقة أن رجلا خلا برجل ليقتله أو بامرأة ليزني بها جاز التجسس والإقدام على الكشف، وإن لم يثبت تداركه فلا يجوز، ولو خاف الآمر والناهي على نفسه، أو على غيره مفسدة أعظم من مفسدة المنكر الواقع سقط الوجوب.
[خاتمة]
قال الإمام أبو الحسن الماوردي رحمه الله في كتابه الأحكام السلطانية: لو ظن المحتسب برجل أنه لا يغتسل من الجنابة، أو لا يصلي، أو لا يصوم لم يأخذه بالنقمة، ولو رآه يأكل في رمضان لم يؤذيه إلا بعد سؤاله عن الأكل فإن ذكر عذرًا كالمرض والسفر، واحتمال حاله ذلك كف عنه وأمره بإخفاء الأكل، كما لو علم عذره، ولو رأي من يسأل وعلم أنه غني بمال، أو عمل منعه وأدبه، ولو رأى عليه آثار الغنى أعلمه بالتحريم