للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

مَجْلِسِهِ بِبَغْدَادَ، وَقَدْ قَامَ عَلَى أَرْبَعٍ. فَقُلْتُ لِبَعْضِ أَهْلِ الْمَجْلِسِ: وَيْحَكُمْ! مَا شَأْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: هُوَ يَحْكِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

قَالَ: ومررت بِهِ يَوْمًا آخرا فِي مَجْلِسٍ لَهُ وَهُوَ مَادٌّ يَدَيْهِ قَدْ حَنَى ظَهْرَهُ. فَقُلْتُ لِبَعْضِهِمْ: مَا حَالُهُ؟ قَالَ: يَحْكِي كَيْفَ يُلْقَي اللَّهُ كَنَفَهُ عَلَى عَبْدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ الْقُصَّاصِ يَرْمِي ثَوْبه على القارىء لِيُوَافِقَ. فَيُوَافِقُهُ أَقْوَامٌ لِئَلَّا يُرْمَوْا بِالْبُخْلِ. وَمَتَى حَصَلَ شَيْءٌ عَلَى خَوْفِ الذَّمِّ لَمْ يَكُنْ حَلَالًا، كَمَا يُعْطَي الشَّاعِرُ خَوْفَ هَجْوِهِ. ثُمَّ يقتسم الْوَاعِظ والقارىء مَا حَصَلَ.

قَالَ ابْنُ عُقَيْلٍ: وَمِنْ دَقِيقِ الْوَرَعِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاق أَنْ لَا يُقْبَلَ النَّائِلُ وَلَا الْبَذْلُ فِي حَالِ اهْتِيَاجِ الطِّبِاعِ، وَمِنْ حُزْنٍ أَوْ سُرُورٍ. فَذَلِكَ كَبَذْلِ السَّكْرَانِ / وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرَّأْيَ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا مَعَ اعْتِدَالِ الْمَزَاجِ. وَقَلَّ أَنْ يَصِحَّ رَأْيٌ مَعَ فَوْرَةِ طَبْعٍ، مِنْ طَرَبٍ أَوْ حُزْنٍ أَوْ غَضَبٍ. فَإِذا بذل باذل فِي فورة ذَلِك تَعَقَّبَهُ النَّدَمُ بَعَدَ زَوَالِ تِلْكَ الْفَوْرَةِ. وَمِنْ هَاهُنَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " لَا يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ "، وَالْغَضْبَانُ يَنْدَمُ إِذَا سَكَنَتْ فَوْرَتُهُ عَلَى مَا بَدَرَ مِنْهُ فِي فَوْرَةِ الْغَضَبِ. وَكَذَلِكَ الْمَسْرُورُ يَنْدَمُ عَلَى تَخْرِيفِهِ فِي الْعَطاء.

<<  <   >  >>