للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والعجَب مِمَّن يترك الهجر ومع هذا لا يوجد منه شيء من هذا الذي ذَكَرَه شيخُ الإسلامِ للعُصَاة!، كيف بِمَن يُظهر لهم المودة!.

قيل لسَمُرة بن جندب - رضي الله عنه -: إنَّ ابنك لَم يَنَم البارحة بشما (١)، فقال: (لوْ مَاتَ لَم أُصَلِّ عليه) (٢) يعني لأنه أعان على قتل نَفْسِه.

ومَرَّ زياد بن حُدَير - رحمه الله - على قوم يلعبون بالنَّرْد فَسَلَّم عَليهم وهو لاَ يَعلم، ثم رَجَعَ فقال: (رُدُّوا عَلَيَّ سَلامي!) (٣).

«زِيَاد» هذا من خيار التابعين - رحمه الله -، ولو فعل مثل فعله أحد اليوم لصار أُضحوكةً للسُّفَهَاء!.

قال شيخُ الإسلامِ ابن تيمية - رحمه الله -: (وَلِهَذا لَمْ يكن للمُعْلِن بالبِدَع والفجور غيبة، كمَا رُوِي ذلك عن الحسَن البصري وغيره؛ لأنَّه لَمَّا أعلن ذلك استحَقَّ عقوبةَ المسلمين له، وأدنَى ذلك أنْ يُذَمَّ عليه لينْزَجِر وَيَكُف الناس عنه وعن مُخَالطته، ولو لَمْ يُذَم وَيُذْكَر بِمَا فيه من الفجُور والْمَعصية أو البِدْعة لاغترَّ به الناس، ورُبَّمَا حَمَلَ بَعضُهُم أنْ يَرتكب ما هو عليه، ويزداد أيضاً هو جرأةً وفجوراً ومعاصي، فإذا ذُكِر بِمَا فيه انكفَّ وانكفَّ غيْرُه عن ذلك وعن صُحْبته ومُخَالَطَتِه، قال الْحَسَن البَصْري: «أترغبون عن ذِكْر الفاجر؟!، أذكُروهُ بِمَا فيه كَيْ يَحْذَره


(١) البَشَم: التخَمة عن الدَّسَم.
(٢) أنظر: «النهاية في غريب الحديث والأثر» لابن الأثير، (١/ ١٣٠ - ١٣١).
(٣) «مسائل أبي داود» للإمام أحمد، ص (٢٨٠).

<<  <   >  >>