للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بِنَاء وَبَالٌ عَلَى صَاحِبِهِ إلاَّ مَالاَ، إلاَّ مَالاَ) - يَعْنِي مَا لاَ بُدَّ مِنْه - (١).

وإذَا كان هذا في قُبةٍ مُشَرَّفَةٍ من الطين فكيفَ بِمَا نَحْنُ فيهِ مِن التنافسِ على مَسَاكِنِ (الخلود) في الدنيا؟!، مَع أنَّهَا تَشَبُّهٌ بالكفَّار في مَسَاكِنِهِمْ، وتُنفق في بنائها الأموال الكثيرة، وغير ذلك من آفات ليس هذا موضع ذكرها، وهذا من نصحه - صلى الله عليه وسلم - لأمته وشفقته ورحمته لئلا يغْتَروا بالدنيا وَيَرْكنوُا إليها ويَطُول فيها أمَلُهُم، فهل يَتَناسب ما نَحْن فيه في هذا الزمان مَع قَول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ أوْ عَابِرُ سَبِيلٍ) (٢)؟!، أو مَع مَا فَعَلَ مَع صَاحِبِ القُبة؟!، وتأمَّلْ بِهَذه المناسَبَةِ كلامَ «ابن حزْم الأندلسي» حينما رأى تشاغُلَ حُكَّامِ زَمَانهِ وهُمْ يَتشبَّهُون بالكفار في تشييد الدنيا وغفلتهم عن الدِّين حيث قال: (اللَّهُمَّ إنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ تَشَاغُلَ أهْلِ الْمَمَالِكِ مِنْ أهْلِ مِلَّتِنَا بِدُنْيَاهُمْ عَنْ إِقَامَةِ دِينِهِمْ، وَبِعِمَارَةِ قُصُورٍ يَتْرُكُونَهَا عَمَّا قَرِيبٍ عَنْ عِمَارَةِ شَرِيعَتِهِمْ اللاَّزِمَةِ لَهُمْ فِي مَعَادِهِمْ وَدَارِ قَرَارِهِمْ، وَبِجَمْعِ أمْوَالٍ رُبَّمَا كَانَتْ سَبَباً إِلَى انْقِرَاضِ أعْمَارِهِمْ وَعَوْناً


(١) أخرجه أبو داود في «سننه» برقم (٥٢٣٧)، وابن ماجه في «سننه» برقم (٤١٦١)، والطبراني في «المعجم الأوسط» برقم (٣٠٨١)، وأبو يعلى في «مسنده» برقم (٤٣٤٧)، والضياء المقدسي في «الأحاديث المختارة» برقم (٢٧٤٧)، وأخرجه أيضاً برقم (١٥٣٧) وحسَّن إسناده؛ وقال المنذري في «الترغيب والترهيب» (٣/ ٧٦): (إسناده جيِّد)؛ وكذا قال ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (٣/ ٤٠٨)، والسيوطي في «البدور السافرة في أمور الآخرة» ص (٧١).
(٢) أخرجه البخاري في «صحيحه» برقم (٦٠٥٣) من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -.

<<  <   >  >>