قال النووي:(المراد بالهَرْج هنا الفتنة، واختلاط أمور النَّاس وسبب كثرة فضل العبادة فيه؛ أن الناس يغفلون عنها ويشتغلون عنها، ولا يتفرع لها إلاَّ أفراد).
أخي المسلم: إن النفس تحب هواها ورغائبها .. يعجبها أن تسير طليقة .. لا حاجز يحجزها عن رغبتها .. وإن الموفق من ألجمها بلجام الحق .. وجاهدها بسيف الطاعات .. وحاسبها محاسبة الغريم لغريمه ..
قال محمد بن المنكدر:(إني خلفت زياد بن أبي زياد مولى ابن عياش وهو يخاصم نفسه في المسجد، يقول: أين تريدين؟ ! أين تذهبين؟ ! أتخرجين إلى أحسن من هذا المسجد؟ ! انظري إلى ما فيه، تريدين أن تبصري دار فلان، ودار فلان، ودار فلان؟ ! قال: وكان يقول لنفسه: ومالك من الطعام يا نفس إلاَّ هذا الخبز والزيت! ومالك من الثياب إلا هذان الثوبان! ومالك من النساء إلاَّ هذه العجوز! أفتحبين أن تموتي؟ ! فقالت: أنا أصبر على هذا العيش! ).
أخي المسلم: لقد كانت تلك محاسبة رجل من الصالحين لنفسه .. ومجاهدة صادقة للنفس .. ونصرًا حاسمًا على هوى النفس .. إنها معركة لا يفوز فيها إلاَّ أولئك الصادقون؛ الذين جاهدوا أنفسهم جهادًا لا يعرف الهدنة!
فهنيئًا لكل فائز في معركة جهاد النفس .. ويا لبشراه بهذا النصر العظيم!
* لقد كان رسولنا - صلى الله عليه وسلم -؛ أكمل الخلق جهادًا .. وأعلاهم درجة في كل فضيلة .. ومع أنه - صلى الله عليه وسلم - قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؛ فقد كان أكثر الخلق اجتهادًا في العبادة .. ومثابرة على الطاعات ..