للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

أحمدك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأصلي وأسلم على رسولك وإلى رسولك.- قلتم أدام الله فوائدكم- في سؤالكم النفيس ما لفظه: أشكل ما ذكره الزمخشري (١) في تفسير قوله- عز وجل-: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} (٢).

قال الزمخشري (٣): فإن قلت كيف عطف (أمرت) على (أمرت)، وهما واحد؟ قلت:


(١) في تفسيره (٣/ ٣٤١)
(٢) [الزمر: ١١ - ١٢]
(٣) في الكشاف (٥/ ٢٩٥ - ٢٩٦): قال {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ} بإخلاص الدين {وأُمِرْتُ}، بذلك (لـ) أجل {لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ}، أي في مقدمهم وسابقهم في الدنيا والآخرة، والمعنى: أن الإخلاص له السبقة في الدين، فمن أخلص كان سابقا، فإن قلت: كيف عطف (أمرت! على {وأُمِرْتُ} وهما واحد؟ قلت: ليسا بواحد لأختلاف جهتيهما، وذلك أن الأمر بالإخلاص وتكليفه لشيء، والأمر به ليحرز القائم به قصب السبق في الدين شيء، وإذا اختلف وجها الشيء وصفتاه ينزل بذلك منزلة شيئين مختلفين، ولك أن تجعل اللام مثلها في أردت لأن أفعل، ولا تزاد إلا مع أن خاصة دون الاسم الصريح، كأنها زيدت عوضا من ترك الأصل إلى ما يقوم مقامه، كما عوض السين في اسطاع عوضا من ترك الأصل الذي هو أطوع، والدليل على هدا الوجه مجيئه بغير لام في قوله {وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} يونس: ٧٢، {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [يونس: ١٠٤]، {أمرت أن أكون أول من سلم} [الأنعام: ١٤].
وفي معناه أوجه:
أن أكون أول من أسلم في زماني ومن قومي، لأنه أول من خالف دين آبائه وخلع الأصنام وحطمها، وأن أكون أول الذين دعوتهم إلى الإسلام إسلاما وأن أكون أول من دعا نفسه إلى ما دعا إليه غيره، لأكون مقتدى بي في قولي وفعلي جميعا، ولا تكون صفتي صفة الملوك الذين يأمرون. مما لا يفعلون، وأن أفعل ما أستحق به الأولية من أعمال السابقين دلالة على السبب بالمسبب يعني: أن الله أمرني أن أخلص له الدين من الشرك والرياء وكل شوب، بدليلي العقل والوحي فإن عصيت ربى. بمخالفة الدليلين، استوجبت عذابه فلا أعصيه ولا أتابع أمركم، وذلك حين دعوه إلى دين آبائه. فإن قلت: ما معنى التكرير في قوله: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} وقوله: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي}.
قلت: ليس بتكرير لأن الأول إخبار بأنه مأمور من جهة الله لإحداث العبادة والإخلاص.
والثاني: إخبار بأنه يختص الله وحده دون غيره بعمادته مخلصا له وفيه، ولدلالته على ذلك قدم المعبود على فعل العبادة وأخره في الأول فالكلام أولا واقع في الفعل وإيجاده، ثانيا فيمن يفعل الفعل لأجله ولذلك رتب عليه قوله: {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ}