للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مواعظ الله- سبحانه-، فإن ذلك من النصحية التي يقول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فيها: " الدين (١) النصيحة" وقد تواترت الأدلة المرشدة إلى المناصحة (٢)، وأيضا ذلك يندرج تحت عمادي هذا الدين اللذين تبنى عليهما قناطره، وترجع إليهما أوائله وأواخره، وهما الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. إذا وجدنا [١ب] لذلك موضعا، ورأينا له قبولا. ولا أقول أنه يتعين على الأمر الناهي تلاوة هذه السورة، بل أقول أنها من أتم ما يحصل به هذا الغرض، ويتأذى عنده هذا المطلب، وأنت تعلم أن الله - سبحانه- إنما أنزل هذه السورة على عباده ليعملوا بها، ويقوموا. مما اشتملت عليه من


(١) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (٥٥) وأبو داود رقم (٤٩٤٤) والنسائي (٧/ ١٥٦) والترمذي رقم (٢٠٠٧) من حديث تميم بن أوس الداري رضي الله عنه، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الدين النصيحة " قلنا: لمن؟ قال: "لله، ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم " وهو حديث صحيح.
(٢) قال تعال عن نوح: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ} الأعراف: ٦٢.
وعن هود: {وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} الأعراف: ٦٨.
وأخرج البخاري في صحيحة رقم (٧٢٠٤) ومسلم رقم (٩٩/ ٥٦) من حديث جرير قال بايعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على السمع والطاعة فلقنني (فيما استطعت والنصح لكل مسلم).
النصيحة: كلمة جامعة، معناها حيازة الحظ للمنصوح له. قال: ويقال: هو من وجيز الأسماء، ومختصر الكلام، وليس في كلام العرب كلمة مفردة يستوفي بها العبارة عن معنى هذه الكلمة، كما قالوا في الفلاح: ليس في كلام العرب كلمة أجمع لخير الدنيا والآخرة منه. قال: وقيل: النصيحة مأخوذة من نصح الرجل ثوبه إذا خاطه. فشبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنصوح له، مما يسده من حلل الثوب. قال: وقيل: إنها مأخوذة من نصحت العسل إذا صفيته من الشمع، شبهوا تخليص القول من الغش بتخليص العسل من الخلط.
قال: ومعنى الحديث: عماد الدين وقوامه النصيحة. كقوله: "الحج عرفة" أي عماده ومعظمه عرفة.
وقال ابن بطال رحمه الله في هذا الحديث: إن النصيحة تسمى دينا وإسلاما، وإن الدين يقع على العمل كما يقع على القول. قال: والنصيحة لازمة على قدر الطاقة إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه، ويطاع أمره، وأمن على نفسه المكروه، فإن خشي على نفسه أذى فهو في سعة." ١ هـ. "
فتح الباري" (١٣/ ١٩٧) و" المفهم" (١/ ٢٤٣).