للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من ألهاهم (١) التكاثر، وانظر إلى السورة التي بعدها فإنها مختصة بالوعيد العظيم، والترهيب الأليم للهمزة (٢) اللمزة، وهكذا سائر هذه الصور المختصرة مع قيام كل واحدة في بابها مقاما يعجز عنه البشر، غير أنها لم تكن كهذه السورة في ذلك الحكم العام بذلك الأمر الشديد المشتمل على أبلغ تهديد، مع أكمل توكيد، ثم تعليق النجاة منه بذلك الأمر الذي هو لب اللباب، وغاية طلبات أولي الألباب. وبالجملة فهو حكم بالهلاك على كل فرد من أفراد النوع إلا إذا لاحظه التوفيق بسلوك تلك الطريق، وسلم من آفات التعويق. وسيأتيك- إن شاء الله- من البيان لهذا الشأن ما هو أعظم برهان. فإن قلت: هل يحسن منا عند الالتقاء الإقتداء بذلك السلف الصالح؟ قلت نعم وإن لم يدل عليه دليل يخصه من المرفوع، لكن قد ورد في عمومات الكتاب والسنة ما يدل على أنه ينبغي لكل فرد من المسلمين أن يدعو أخاه إلى أسباب الهداية، ويزجره عن ذرائع الغواية، ويعظه


(١) والمراد بالتكاثر ثلاثة أقوال:
١/ التكاثر بالأموال والأولاد. قاله الحسن.
٢/ التفاخر بالقبائل والعشائر. قاله قتادة.
٣/ التشاغل بالمعاش والتجارة، قاله الضحاك.
وانظر تفسير السورة في زاد المسير لابن الجوزي (٩/ ٢٢٠ - ٢٢٢).
وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (٨/ ٤٧٦)
(٢) قال ابن كثير في تفسيره (٨/ ٤٨١): الهماز: بالقول، واللماز بالفعل يعني يزدري الناس وينتقص هم. قال ابن عباس " همزة لمزة: طعان معياب.
قال الربيع بن أنس: الهمزة يهمزه في وجهه واللمزة من خلفه.
وقال قتادة: يهمزه ويلمزه بلسانه وعينه، ويأكل لحوم الناس، ويطعن عليهم.١ هـ. .
قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يدخل الجنة قتات".
أخرجه البخاري رقم (٦٥٠٦) ومسلم رقم (١٠٥) من حديث حذيفة.
وعن ابن عباس قال: مر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقبرين فقال: " إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة."
أخرجه البخاري رقم (٢١٨) ومسلم رقم (٢٩٢)