للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بثمنه ديوان شعر، أو لأنه حصلت له أموال فبذرها انتهى.

أقول: والمناسب للمقام أن يكون الخسر الهلاك للإنسان المذكور لعدم استقامته على الدين، وليس المراد الهلاك الدنيوي بالقتل أو نحوه، بل المراد الهلاك الديني الموجب لمصيره إلى النار، كما يفيد ذلك استثناء الذين آمنوا وعملوا الصالحات. وأيضا المقام مقام الترهيب للعصاة، والترغيب لأهل الإيمان والطاعات، ومجموع ذلك يفيد أن تفسير الخسر بذهاب الدين الموجب للشقاوة الأبدية، وهذا أولى من تفسير الخسر بالنقص، لأن مقام الترهيب والتشديد [٦ب] والمبالغة في الوعيد يقتضي الخسران التام، وهو ذهاب الدين بالمرة، المستلزم لهلاك صاحبه، لا نقصه وذهاب بعضه، وبقاء بعض. ولا يخفى أن هذه الجملة القسمية قد اشتملت على مؤكدات منها القسم، ومنها تصوية جواب القسم بحرف التشبيه، وله مدخلية في تأكيد ما دخل عليه من الكلام، ثم المجيء بالجملة الأسمية، فإنها تدل على الدوام والثبات، ثم تحلية الإنسان باللام (١) الإستغراقية المفيدة للعموم، ثم اللام في قوله {لفي خسر}، ثم أبرء في الدالة على أن الخسر قد صار ظرفا له فكأنه منغمس فيه، وهو مشتمل عليه اشتمال الظرف على المظروف، فقد اشتمل هذا الكلام على جميع المؤكدات التي ذكرها أهل البيان. وكل ذلك يفيد أن لزوم هذا الخسر للإنسان ثابت لا محالة، وأنه لا ينفك عنه بحال من الأحوال، ولا يفارقه بوجه من الوجوه إلا إذا تخلص عنه مما تضمنه الاستثناء (٢)، فإنه يخرج به من الظلمة إلى النور، ومن الضيق إلى السعة، ومن الهلاك إلى السلامة، ومن العذاب إلى النعيم، ومن أفار إلى الجشة. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، الموصول من صيغ (٣) العموم كما


(١) انظر البحر الميحط (٣/ ٩٩).
(٢) انظر: إعراب القرآن وبيانه " محيى الدين الدرويش (١٠/ ٥٧٢). الدر المصون (١١/ ١٠١)
(٣) تقدم ذكر ذلك