للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قتاده (١) لهذه الآية بأن المراد بالحق القرآن؟ قلت: أقول إنه قد اقتصر على رأس الحق وأساسه وأكمله وأجله وأجمله، ولكن من الحق أيضًا سنة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، ومن الحق ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين من الهدى القويم، والخلق المبارك فيما يتعلق بأمر معاشهم ومعادهم، وتعاملهم، وإن كان غالب ذلك من في الكتاب والسنة، فإنهم متخلقون هما، متقيدون. مما فيهما. ولهذا قالت (٢) عائشة رضي الله عنها في وصفها لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أنه كان خلقه القران، مع قوله- عز وجل-: {وإنك لعلى خلق عظيم} (٣).

فإن قلت: فما تقول فيما ذهب إليه بعض المفسرين أن المراد بالحق المذكور في هذه الآية هو التوحيد (٤)؟ قلت: أقول إن التوحيد هو الباب الذي [١٢أ] لا يدخل إلى نور الإسلام والإيمان إلا منه، ولا يخرج من ظلمات الكفر والضلال إلا به، وهو الفرقان بين أهل الإيمان، وأهل الكفران، وهو المقدم من أركان الإسلام، ولكنه لا يتم الإسلام به وحده. ولهذا يقول صلى الله عليه واله وسلم في الأحاديث الصحيحة (٥) الثابتة من طرق كثيرة في جواب من سأله عن الإسلام: هو أن تشهد أن لا إله إلا الله، وتقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، فإذا كان الإسلام لا يتم به على انفراده، فكيف يتم به الإيمان وعمل الصالحات.

فإن قلت: هاهنا شيء يقوي تفسير هذا القائل، وهو أن قال أن الإيمان لما كان


(١) أخرجه ابن جرير يما "جامع البيان" (١٥/ ج.٣/ ٢٩٠).
(٢) أخرجه مسلم رقم (٧٤٦) وأحمد (٦/ ٥٤، ١١، ١٦٣) وأبو داود رقم (١٣٤٢) والنسائي (٣/ ١٩٩ - ٢٠٠) والدارمي (١/ ٣٤٤ - ٣٤٥) وهو جزء من حديث طويل. وهو حديث صحيح.
(٣) [ن:١٤]
(٤) ذكره القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (٢٠/ ١٨١) عن ابن عباس.
(٥) تقدم تخرج هذه الأحاديث