مذكورا في هذه السورة قبل التواصي بالحق، وكذلك لما كان عمل الصالحات مذكورا قبله كان حمله على التوحيد سائغا مقبولا؟ قلت: إذا كان عمل الصالحات مما تدخل فيه أركان الإسلام دخولا أوليا فقد دخل التوحيد فيها من هذه الحيثية، بل دخوله فيما مقدم على دخول سائر أركان الإسلام، لأنه بأنها الذي يدخل منه إليها، ومفتاحها الذي لا يتيسر لأحد الوصول إليها بدونه، فالتفسير للحق به لم يأت بفائدة لم يتقدم في هذه السورة ما يفيدها.
فإن قلت: هذا الإلزام مشترك بينك وبين هذا القائل، فإن عمل الصالحات قد اشتمل على التواصي بالحق على الصورة التي فسرت الآية ها، لأنه من عمل الصالحات. قلت: نعم هو من جملة عمل الصالحات، وكذلك التواصي بالصبر، ولكنهما لما كان يكثر الانتفاع هما، ويتعاظم الأثر الحاصل عنهما كان ذلك وجها لافرادهما بالذكر، وذلك نكتة مسوغة لمثل هذا كما صرح به أرباب المعاني والبيان.
فإن قلت: لهذا القائل أن يسلك هذا المسلك الذي سلكته، ويقول أن التواصي بالتوحيد لما كان بالمنزلة التي هو ها حسبما قدمت ذكره صالح لإخراجه من عموم الصالحات؟ قلت: هو وإن تم له هذا فقد ارتكب خلاف ما يدل عليه اللفظ، فإن قصر الحق على التوحيد لم يدل عليه هذا اللفظ القرآني بوجه من الوجوه المعتبرة، فالأولى ما قدمنا ذكره من دخول التوحيد تحت الأعمال الصالحة دخولا أوليا، وحمل التواصي بالحق على ما ذكرنا، فإن ذلك هو الذي يفيده المعنى الذي يجب علينا تفسير كتاب الله- سبحانه- به. فإن قلت: هاهنا إشكال آخر، وهو أنه إن حمل التواصي بالحق على العموم لم يكن في قدرة أحد من العباد ذلك، وإن حمل على الإطلاق الصادق على البعض فما هو؟ قلت: هو محمول على البعض الذي يحق التواصي به كما قدمنا بيانه فلا إشكال.