للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ضرر الجزع أشد، فإن أهل الطب اتفقوا على أنه يضر بالأبدان ضررا شديدا، وتتولد بسببه العلل الصعبة الشديدة التي يصعب الخلوص عنها بالأدوية. وما أحسن قول القائل:

ولا يرد عليك الفائت الحزن

فإن قلت: قد دل ذلك النظم القرآني على أنه لا نحرج من الخسر اللازم لكل إنسان إلا. مما ذكر بعد حرف الاستثناء من الإيمان، وما عطف عليه من عمل الصالحات ومن التواصي بالحق والتواصي بالصبر (١)، مع أن مثل التواصي بالصبر على الصفة إلى ذكرناها لي بواجب، وغاشه أنه من احمد المندوبات، ومن أفضل ما يؤجر عليه الإنسان من الصالحات، ولكنه لا يوجب تركه البقاء ني الخسر، ولو أوجب ذلك لكان واجبا لا مندوبا، ولم يقل أحد من أهل العلم [١٣ب] بأنه واجب على ثلث الصفة، بل من الموعظة الحسنة والدعاء إلى في الخالص؟ قلت: لا شك أن بعض التواصي بالصبر واجب، وذلك حيث يكون الصبر واجبا متحتما على صاحبه، والجزع حرام عليه، وذلك كالصبر عن معاصي الله- سبحانه-، والصبر على طاعاته الواجبة، فإنه يجب على كل مسلم (٢) الصبر على ذلك، وعدم الوقوع فيما يؤدي إليه ترك الصبر من الإقدام


(١) قال ابن القيم في مدارج السالكين (٢/ ١٨٨ - ١٩٠): الصبر ثلاث درجات:
الدرجة الأولى: الصبر على المعصية،. مطالعة الوعيد، وإبقاء على الإيمان وحذرا من الحرام، وأحسن منها: " الصبر على المعصية حياء "
الدرجلي النية: الصبر على الطاعة، بالمحافظة عليها درما، وبرعايتها إخلاصا وبتحسينها علما.
الدرجة الثالثة: الصبر على البلاء،. ملاحظة حسن الجزاء، وانتظار روح الفرج وقوين البلية بعد أيادي المنن، وبذكر سوالف النعم.
(٢) من الأمور التي تعين على الصبر، وتهونه على النفس:- أ/ المعرفة طبيعة الحياة الدنيا: بأنها دار ابتلاء وتكليف، لا دار جنة ونعيم، وهذه الحياة الدنيا خلقها الله تعالى مخلوطة فيها اللذائذ بالآلام، وقيل لعلى بن أبى طالب رضي الله عنه: صف لنا الدنيا؟ فقال: ماذا أصف لك من دار أولها بكاء وأوسطها عناء، وآخرها فناء؟!
ب/ معرفة الإنسان نفسه، بأنه ملك لله تعالى أولا وآخرا، ولذلك فإن مصير العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق، ولابد أن يخلف الدنيا وراء ظهره وقديما قال لبيد الشاعر:
وما المال والأهلون إلا ودائع ... ولابد يوما أن ترد الودائع
ج/ اليقين بحسن الجزاء عند الله: كما قال تعالى في "سورة النحل:٩٦: أ {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
د/ اليقين بالفرج: وذلك بأن يوقن بأن نصر الله قريب وأن فرجه آت لا ريب فيه، وأن بعد الضيق سعة، وأن بعد العسر يسرا قال تعالى: في "سورة الشرح:٥ - ٦: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}
٥/ الاستعانة بالله: ومما يعين المبتلى على الصبر أن يستعين بالله تعالى ويلجأ إلى حماه، فيشعر. بمعيته سبحانه، وأنه في حمايته ورعايته، ومن كان في حمى ربه فلن يصام قال تعالى في "سورة الطور الآية: ٤٨" مخاطبا رسوله: {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا}.
و/ الإقتداء بأهل الصبر والعزائم: قال تعالى في "سورة الأحقاف الآية: ٣٥": فاصبر كما {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} وقال تعالى في "سورة الأنعام الآية: ٩٠" {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ}
ز/ الإيمان بقدر الله وسننه: وذلك بأن يؤمن بأن قدر الله نافذ لا محالة، وأن ما أصابه لم يكن ليخطه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. جفت الأقلام، وطويت الصحف قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}
ح/ الحذر من الآفات العائقة عن الصبر: ولا بد للإنسان عامة، وللمؤمنين خاصة، وحملة الدعوات على وجه أخص، إدا أرادوا أن يعتصموا بالصبر أن يحذروا من الآفات النفسية التي تعوقه وتعترض طريقه، من هذه الآفات التي أشار إليها القرآن:-
(١): الاستعجال: قال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} [الأحقاف: ٣٥]
(٢): الغضب: قال تعالى في "سورة القلم الآية: ٤٨: {فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم}