للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في كل موطن من المواطن التي يكون الإرشاد إليها حسن جميل، فإن ذلك من باب النصيحة التي يقول فيها الصادق المصدوق- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: " الدين النصيحة" (١). وأنت خبير. مما يفيده هذا التركيب المصطفوي من الحصر الدال على المبالغة في شأنها [١٤أ]، وأنها هي الفرد الكامل من أفراد الدين، بل قد جعلها الشارع من حق المسلم على المسلم، كما ثبت في الصحيحين (٢) وغيرهما: " أن حق المسلم على المسلم إذا لقيه أن يسلم عليه، وإذا عطس أن يشمته، وإذا دعاه أن يجيبه، وإذا مرض أن يعوده، وإذا مات أن يتبعه، وإذا استنصحه أن ينصحه ". فالتواصي بالحق والتواصي بالصبر شعبة من شعب النصيحة، ونوع من أنواعها، وكما يكون فيهما ما هو واجب كذلك يكون في أفراد النصيحة ما هو واجب، فإن قال من يتقيد بعلم الأصول، ويمشى على طرائقه- أن هذا من باب الجمع بين الحقيقة والمجاز، وهو لا يجوز. قلنا له: نحن نمنع أن يكون هذا من الجمع، بل هو من العمل. مما يفيده اللفظ، وتقتضيه الصيغة. والاقتصار على البعض لدليل اقتضى ذلك، ولو سلمنا فنحن نمنع معه أيضًا عدم الجواز فيما نحن بصدده، فإنه يمكن أن يراد معنى يشملها ويعبر به عنهما، فيكون ما ذكرناه من عموم المجاز لا من الجمع بين الحقيقة والمجاز، على أنه يمكن أن يقال: إن ذلك من الجمع بين معنيين المشترك، وهو سائغ مقبول على ما هو المذهب الحق من تلك المذاهب المدونة في الجمع بين معنيي المشترك. وهكذا يقال في قوله: {وعملوا الصالحات}، وهكذا يقال في النصيحة.

فإن قلت: هذا التواصي بالحق، والتواصي بالصبر إذا كان مع من يقبل ذلك،


(١) تقدم تخريجه
(٢) أخرجه البخاري رقم (١٢٤٠) ومسلم رقم (٢١٦٢) عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله كل قال: " حق المسلم على المسلم خمس، رد السلام وعيادة المريض وإتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس "