رشادك. ولكن عليك قبل ذلك. ممرهم نافع، وترياق شاف، وهو أن تحسن النية، وتوطن نفسك على أنك لم تفعل ذلك إلا للوفاء. مما أوجبه الله عليك، وأخذه على أمثالك، واغسل عن قلبك محبة أن يقال قال فلان بالحق، تكلم بالصواب، أنكر المنكر قام. مما أمره الله به، فإن هذه الوساوس الشيطانية، والخواطر الخذلانية تكون سببا لعدم تأثير ما جئت به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد تظن عدم تأثير ما جئت به لا لهذا السبب فتقول بعد ذلك: لا أظن التأثير. وإذا عرفت العلة علمت أن للتكلم بالحق تأثيرا في كل العباد، وعلى كل معاند ومتمرد كائنا من كان، وسأقص عليك واقعة صحيحة اشتملت عليها كتب التاريخ المعتبرة، وهى أن بعض صلحاء العباد القائمين. مما أوجب الله عليهم من هذا التكليف رأى عشرة آنية مملوءة خمرا مع بعض خدم الملوك، يريد أن يوصل ذلك إلى الملك، وعد سافر به من أرض بعيدة، فأخذ عصاه، ثم ما زال يضرب تلك النية ها حتى كسر تسعة منها، ثم وقف على العاشر فأمسك العصا ولم يكسره فبمجرد ما فعل ذلك ذهبوا به إلى الملك، وقالوا: فعل وفعل، وقد ظنوا وظن من هو مشاهد لذلك أنه سيقتل، فأوصلوه إلى الملك فارتجف لعصاته، واضطرب حاله، وعراه من الهيبة ما لا يقدر قدره، وغاية ما وقع منه أنه قال له: فعلت هكذا؟ قال: لأن الله- سبحانه- حرم ذلك، وأوجب على عباده إنكاره وتغييره، فقال له، فلأي سبب تركت واحدا منها؟ قال لما كسرت اقصر. في نفسي شيئا من المجاب فتركت ذلك لئلا أكسره وقد انضم إلى تلك النية هذا الخاطر القبيح، فلم يقل له شيئا، وخرج سالما، وقام. مما أمره الله- سبحانه- به. وكم وقع من التأييد الرباني، والنصر الإلهي لكثير من القائمين هذا الواجب العظيم، وقد اشتملت عليه كتب التاريخ. فمن كان له نظر فيها فهو بذلك غير محتاج إلى التنبيه عليه. وفي هذا المقدار كفاية لمن له هداية. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
فرغ منه مؤلفه محمد بن على الشوكاني غفر لله لهما في فار السبت لعله سادس عشر شهر شوال سنة ١٢٣٧ هـ.