منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه ". وقد كان السلف الصاع من الصحابة والتابعين وتابعيهم ينكرون ما علموه منكرا بأفعالهم وأقوالهم، ويكافحون بذلك الملوك والأمراء اللهم غفرا، اللهم غفرا، اللهم غفرا للمقصرين من عبادك في القيام هذه الخصلة التي هي أبين دين الإسلام، ورأس قواعده، وأعظم ما يحفظ به هذه الشريعة المطهره عن انتهاك العصاة، وتلاعب المتمردين.
وهاهنا مفسدة عظيمة ترك ها كثير من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصارت ذريعة شيطانية للمداهنن في دين الله، وهي ما وقع في بعض كتب الفروع من جعل ظن التأثير شرطا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا شرط لم يدل عليه كتاب الله، ولا سنة رسوله، فهو تسمك بالهباء، وتعلل. مما هو على شفا جرف هار. ومع هذا فإنهم يجعلون ذلك تعفة لهم وعذرا، وهم يعلمون أن التكلم بالحق، مما أمر الله به، وأرشد عباده إليه لا يستطيع أحد رده كائنا من كان، وإن بلغ في التمرد عن الحق، والتجبر في الدين إلى يقصر عنه الوصف، فإنه إذا عذلك فغايته أن يذكر لنفسه المعاذير والعلل المعتلة. وقد وقع في قلبه ما وقع، واستحى من الناس أن يتظهر بذلك أو يتجاهر به، وهذا أقل ما يحصل معه، فما ذكره من يحق عليه القيام بذلك أنه ظن عدم التأثير فهو كاذب على نفسه، كاذب على ربه، كاذب على عباد الله الصالحين. فمالك لا كثر الله في عباده من أمثالك، وللاستدلال لما أنت فيه من الدهان، والسكوت على المتجرين على معاصي الله، المنتهكين لحرماته، المتعدين لحدوده هذا الدليل الباطل من وجهه الأول [١٥أ] أنه غلط من قائله، باطل من أصله.
الثاني أن ما تزعمه من الظن الحاصل لك هو من بناء الباطل على الباطل، وترتيب المختل على المختل، فإن كنت لا تعلم بالوجه الأول فاعلمه الآن، فإن تقصيرك في علم الشرع أوقعك في تقليد من قال بالباطل. وأما الثاني فأسا تعلمه من نفسك، فإن شككت في ذلك فافعل ما أمرك الله به من الأمر بالمعروف عند عروض ذلك الظن الشيطاني لك، حتى تعلم فساده، وتتيقن بطلانه، ويصفر صبح هدايتك، ويطلع بدر