للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إجابة السؤال الأول

[دعاء غير الله شرك ولا يعذر الجاهل]

- أما السؤال الأول: فقد أجاب عنه السائل. بما شفى وكفى، وهو سؤال وجواب، وقد أقام الأدلة على ما أجاب به من الكتاب والسنة، فمن قال بغيره فلا يلتفت إليه، ولا يعول عليه.

- ومن وقع في الشرك جاهلا لم يعذر، لأن الحجة قامت على جميع الخلق بمبعث محمد- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فمن جهل فقد أُتي من قبل نفسه، بسبب الإعراض عن الكتاب والسنة، وإلا ففيهما البيان الواضح كما قال سبحانه في القرآن: {تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة} (١)، وكذلك السنة قال أبو ذر- رضي الله عنه-: " توفي محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما ترك طائرا يقلب جناحيه بين السماء والأرض إلا ذكر لنا منه علما" (٢) أو كما قال- رضي الله عنه-.

فمن جهل فبسبب (٣) إعراضه، ولا يعذر أحد بالإعراض.


(١) النحل: ٨٩.
(٢) أخرجه أحمد في المسند (٥/ ١٥٤، ١٦٢) بإسناد ضعيف لجهالة الراوي عن أبي ذر.
والطبراني في الكبير رقم (١٦٤٧) وأورده الهيثمي في المجمع (٨/ ٢٦٣، ٢٦٤) وقال: رواه أحمد والطبراني وزاد فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد عن النار إلا وقد بين لكم ". ورجال الطبراني رجال الصحيح غير محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ وهو ثقة وفي إسناد أحمد من لم يسم.
(٣) قال ابن تيمية في " مجموع فتاوى " (١٢/ ٤٩٣): " فإن الكتاب والسنة قد دل على أن الله لا يعذب أحدا إلا بعد إبلاغ الرسالة فمن لم تبلغه جملة لم يعذبه رأسا، ومن بلغته جملة دون بعض التفصيل لم يعذبه إلا على إنكار ما قامت عليه الحجة الرسالية ".
مثل قوله تعالى: {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} [النساء: ١٦٥].
وقال ابن تيمية في مجموع فتاوى (٢٣/ ٣٤٥ - ٣٤٦): " وحقيقة الأمر في ذلك: أن القول قد يكون كفرا، فيطلق القول بتكفير صاحبه، ولقال من قال كذا فهو كافر، لكن الشخص المعين الذي قاله لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها.
وهذا كما في نصوص الوعيد فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} فهذا ونحوه من نصوص الوعيد حق- لكن الشخص المعين لا يشهد عليه بالوعيد، فلا يشهد لمعين من أهل القبلة بالنار لجواز أن يلحقه الوعيد بفوات شرط، أو ثبوت مانع فقد لا يكون التحريم بلغه، وقد يتوب من فعل المحرم، وقد يكون له حسنات عظيمة تمحو عقوبة ذلك المحرم، وقد يبتلى بمصائب تكفر عنه، وقد يشفع فيه شفيع مطاع.
وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون قد عرضت له شبهات يعذره الله بها، فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق وأخطأ فإن الله يغفر له خطأه كائنا ما كان سواء كان في المسائل النظرية، أو العملية هذا الذي عليه أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجماهير أئمة الإسلام " أهـ.
مثال: ما أخرجه أحمد (٤/ ٣٨١) وابن ماجه رقم (١٨٥٣) من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال:
لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما هذا يا معاذ؟ قال: أتيت الشام فوافيتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم فوددت في نفسي أن أفعل ذلك لك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فلا تفعلوا فإني لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه ".
فقال الشوكاني في النيل (٤/ ٣٢٣): ولما هذا الحديث دليل: على أن من سجد جاهلا لغير الله لم يكفر.
مثال: الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٣٤٨١) ومسلم رقم (٢٧٥٦) من حديث أبي هريرة مرفوعا: " كان رجل يسرف على نفسه فلما حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا مت فاحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني في الريح فوالله لئن قدر الله على ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا. فلما مات فعل به ذلك فأمر الله الأرض قال: اجمعي ما فيك منه ففعلت فإذا هو قائم، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: يارب خشيتك، فغفر له ".
قال: ابن تيمية تعليقا على هذا الحديث في " مجموع فتاوى " (٣/ ٢٣١):- فهذا رجل شك في قدرة الله، وفي إعادته إذا ذُرى، بل اعتقد أنه لا يعاد وهذا كفر باتفاق المسلمين، لكن كان جاهلا لا يعلم ذلك، وكان مؤمنا يخاف الله أن يعاتبه، فغفر له بذلك.