للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله (١) عنهما-، فيقال له: هذا متفق عليه بين المسلمين من حيث الجملة أن الله لا يفعل قبيحا، ولا يظلم أحدا، ولكن النزاع في تفسير ذلك، فهو إذا كان خالقا لأفعال العباد، هل يقال إنه ما هو قبيح [منه] (٢) وظلم، أم لا؟ فأهل السنة المثبتون للقدر يقولون: ليس [هو بذلك] (٣) ظالما ولا فاعلا قبيحا، والقدرية يقولون: لو كان خالقا لأفعال العباد كان ظالما فاعلا ما هو قبيح [منه] (٤)، وأما كون الفعل قبيحا من فاعله لا يقتضي أن يكون [كذلك لخالقه] (٥)، لأن الخالق خلقه في غيره، لم يقم بذاته، فالمتصف به من قام به الفعل، لا من خلقه في غيره، كما أنه إذا خلق لغيره لونا، وريحا، وحركة، وقدرة، وعلما كان ذلك الغير هو المتصف بذلك اللون، والريح، والحركة، والقدرة، والعلم، فهو المتحرك بتلك الحركة، والمتلون بذلك اللون، والعالم بذلك العلم، والقادر بتلك القدرة، فكذلك إذا خلق في غيره كلاما، أو صلاة، أو صياما، أو طوافا، كان ذلك الغير هو المتكلم بذلك الكلام، وهو المصلي، وهو الصائم، وهو الطائف، ولكن من قال إن الفعل هو المفعول يقول: إن أفعال العباد هي فعل الله، فإن قال: وهو أيضا فعل لهم لزم أن يكون الفعل الواحد لفاعلين (٦)، كما يحكى عن أبي إسحاق الاسفراييني- (٧)، وإن لم يقل هو فعل لهم لزمه أن تكون أفعال العباد فعلا لله لا لعباده كما يقوله الأشعري (٨)، ومن وافقه من أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم


(١) زيادة من منهاج السنة (٢/ ٢٩٤).
(٢) زيادة من منهاج السنة (٢/ ٢٩٤).
(٣) زيادة من منهاج السنة (٢/ ٢٩٤).
(٤) كذا في المخطوط وصوابه [قبيحا من خالقه] كما في منهاج السنة (٢/ ٢٩٤).
(٥) كذا في المخطوط وصوابه [قبيحا من خالقه] كما في منهاج السنة (٢/ ٢٩٤).
(٦) معنى أن أفعال العباد تكون بفاعلين: أي أن أفعال العباد ليست بفعل لله وحده، كما يقول به جهم والأشعري وغيرهما، ولا بفعل للعبد وحده كما يقول المعتزلة ومن يحذو حذوهم، بل هي فعل لله تعالى وللعبد معا فكأنهم هربوا عن الجبر وعن كون العبد خالقا لأفعاله، إلا أنهم وقعوا في هجنة أخرى.
(٧) أبو إسحاق الإسفراييني هو إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران، فقيه شافعي أصولي متكلم توفي سنة ٤١٨ هـ.
طبقات الشافعية (٣/ ١١١ - ١١٤) شذرات الذهب (٣/ ٢٠٩ - ٢١٠) الأعلام للزركلي (١/ ٥٩).
(٨) سيأتي قريبا (ص ١٥١).