للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونحو ذلك.

وكذلك تولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعديلهم بقوله: «خير القرون قرني» الحديث وهو في الصحيح (١) ومثل حديث: «لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» وهو في الصحيح (٢) أيضًا. وقوله: «أصحابي كالنجوم» (٣) وقوله: «لا تمس النار رجلًا رآني» (٤) على ما فيهما من المقال.

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. وورد في البعض منهم خصائص تخصه كما ورد في أهل بدر: «إن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» (٥).

على أن المطلوب من الحكم بعدالة الجميع هنا ليس هو إلا قبول الرواية من غير بحث عن حال الصحابي، ومرجع القبول على ما هو الحق عندي هو صدق اللهجة والتحرز عن الكذب، ولم يفش في خير القرون الكذب، بل ولا في القرن الذي يليهم ولا في الذي يليه كما ثبت في حديث: «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب» (٦).

وبالجملة فالقول بعدالة الجميع [١ب] أقل ما يستحقون من المزايا التي وردت بها الأدلة الصحيحة، ويقال في جواب القوال الثاني، بأن جعلهم كغيرهم إهمال لمزاياهم وإهدار لخصائصهم (٧) وطرح لكثير من الآيات والأحاديث الصحيحة، ويقال في جواب القول


(١) أخرجه البخاري رقم (٢٦٥٢) ومسلم رقم (٢٥٣٣) من حديث عبد الله بن مسعود وقد تقدم.
(٢) أخرجه البخاري رقم (٣٦٧٣) ومسلم رقم (٢٢١/ ٢٥٤٠) من حديث أبي سعيد الخدري.
(٣) تقدم وهو حديث موضوع.
(٤) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (٣٨٥٨) من حديث جابر بن عبد الله وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث موسى بن إبراهيم الأنصاري. وهو حديث ضعيف.
(٥) أخرجه البخاري رقم (٣٠٠٧) ومسلم رقم (١٦١/ ٢٤٩٤) من حديث علي رضي الله عنه.
(٦) أخرجه البخاري رقم (٢٦٥٢) ومسلم رقم (٢٥٣٣) من حديث عبد الله بن مسعود وقد تقدم.
(٧) قال ابن الصلاح في مقدمته (ص ٣٠١): للصحابة بأسرهم خصيصة وهي أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم، بل ذلك مفروغ منه لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة.
وقال ابن كثير في "اختصار علوم الحديث" ص١٥٤: "والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة، لما أثنى الله عليهم في كتابه العزيز، وبما نطقت به السنة النبوية في المدح لهم في جميع أخلاقهم وأفعالهم، وما بذلوا من الأموال والأرواح بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رغبة فيما عند الله من الثواب الجزيل، والجزاء الجميل.
وأما ما شجر بينهم بعده عليه الصلاة والسلام، فمنه ما وقع عن غير قصد، كيوم الجمل، ومنه ما كان عن اجتهاد، كيوم صفين. والمجتهد يخطئ ويصيب، ولكن صاحبه معذور وإن أخطأ، ومأجور أيضًا، وأما المصيب فله أجران اثنان، وكان علي وأصحابه أقرب إلى الحق من معاوية وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين.
وقول المعتزلة: الصحابة عدول إلا من قاتل عليًا - قول باطل مرذول ومردود ا هـ.
وانظر: "البرهان" (١/ ٤٠٧) "فتح المغيث" للعراقي (ص٣٥٠).