للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدثت به أنفسها» فإنه في قوة: "كل ما حدثت به أنفسها". وهكذا بقية الألفاظ في الصحيح وغيره؛ فإنها دالة على العموم؛ مفيدة لعدم اختصاص التجاوز والمعرفة: [١ أ] ببعض حديث النفس دون بعض.

ويؤيد ذلك ما في الحديث الثابت في "الصحيح": أنها لما أنزلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير} (١) فإن هذه الآية لما نزلت اشتد على أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك، فأتوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم بركوا على الركب، فقالوا: أي رسول الله! كلفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة، والصيام، والجهاد، والصدقة. وقد أنزلت عليك هذه الآية، ولا نطيقها؟ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: {سمعنا وعصينا} بل قولوا: {سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير}» فقالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.

فلما اقترأها القوم، وذلت بها ألسنتهم، أنزل الله في أثرها: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه، والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا نفرق بين أحد من رسله، وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير}. فلما فعلوا ذلك، نسخها الله تعالى، فأنزل عز وجل: {لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} -قال نعم- {ربنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا} -قال: نعم- {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} -قال نعم- {واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولنا فانصرنا على القوم الكافرين} (٢)


(١) [البقرة: ٢٨٤].
(٢) [البقرة: ٢٨٦].