للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تكلم به أو تعمل» محمول على ما لم يستقر فلا يخفاك (١): إنه لا وجه لهذا التأويل المتعسف، والتفرقة بين ما يشمله الحديث ويدل عليه، بإدخال بعضه تحت حكم العفو والتجاوز، وإخراج بعضه عن ذلك الحكم وجعله مما لم يتناوله التجاوز عن حديث النفس، مع كونه منه! وفي هذا التعسف ما لم تلج إليه ضرورة، ولا قام عليه دليل.

وقد استدل بعض القائلين بالتفرقة المذكورة بقوله سبحانه: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها} (٢) وجعل هذه الآية دليلًا على تأويل حديث التجاوز عن حديث النفس، وتخصيصه بما لم يستقر في الحديث! ولا يخفاك أنه لا دلالة في الآية على ما استدل به لا بمطابقة، ولا تضمن، ولا التزام! وبيان ذلك: أن قوله: {فأقم وجهك للدين} (٣) إن أريد به معناه الحقيقي، فليس فيه الأمر بمجرد الإقامة للوجه، وذلك عمل جارحة لا عمل قلب، وإن كان المراد بإقامة الوجه: الكناية عن الإتيان بأمور الدين التي شرعها الله لعباده، فهي: أقوال وأفعال، لا حديث نفس! وإن كان محل الاستدلال الذي زعمه هذا المستدل هو قوله في الآية: {فطرت الله التي فطر الناس عليها} (٤): فليس في ذلك إلا أن كل مولود يولد على الفطرة، وهذه الفطرة (٥) هي الخلقة التي خلقها الله عليها، والطبع الذي طبعه عليه، وليست من حديث النفس في ورد ولا صدر!.

ولهذا إنها توجد مقارنة للولادة والمولود، لا حديث نفس له، ولا اعتقاد، ولا قصد، ولا نية! وكذلك بعد الولادة بأيام طويلة حتى يبلغ حد التمييز.


(١) تقدم التعليق على ذلك.
(٢) [الروم: ٣٠].
(٣) [الروم: ٣٠].
(٤) [الروم: ٣٠].
(٥) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (١٤/ ٢٧).