للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومثل هذا قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الثابت في "الصحيح" (١) «كل مولود يولد على الفطرة، ولكن أبواه يهودانه، وينصرانه، ويمجسانه». فإن هذه هي الفطرة التي ذكرها الله في تلك الآية.

وإذا تقرر لك أن هذا معنى الآية، علمت أنه لا يصح الاستدلال بها على هذا المدلول الذي لا تدل عليه بمطابقة، ولا تضمن، ولا التزام! وكيف تجعل هذه الدلالة التي هي أخفى من السها (٢) مرجحة على دلالة الحديث التي هي أوضح من شمس النهار، وموجبة لتأويله وقصره على بعض مدلوله، وإخراج بعضه، مع ما فيه من العموم الشامل المفيد لتلك الغاية التي هي العمل أو التكلم، فإن هذه الغاية بمجردها دلت على أنه حديث النفس هو شيء مغاير للقول والعمل، فكل ما لم يخر من الخواطر القلبية إلى التكلم أو العمل به، فهو حديث نفس من غير فرق بين المستقر منها [٢ب] وغير المستقر على ما بيناه.

وأوضح من هذا الحديث دلالة على المطلوب حديث (٣): "من هم بسيئة، فإن عملها كتبت عليه سيئة، وإن لم يعملها لم تكتب عليه". وفي رواية صحيحة (٤):


(١) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٤٧٧٥) ورقم (١٣٨٥) ومسلم في صحيحه رقم (٢٦٥٨) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وأخرجه البخاري رقم (٦٥٩٩) ومسلم في صحيحه رقم (٢٦٥٨) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما من مولود إلا يولد على هذه الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه، كما تنتج الإبل فهل تجدون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها ... ".
(٢) هو كويكب صغير خفي الضوء في بنات نعش الكبرى، والناس يمتحنون به أبصارهم. "لسان العرب" (٦/ ٤١٦).
(٣) أخرج مسلم في صحيحه رقم (٢٠٣/ ١٢٨) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قال الله عز وجل: إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه، فإن عملها فاكتبوها سيئة .... ".
(٤) أخرجه مسلم في صحيحه رقم ٢٠٥/ ١٢٩) من حديث أبي هريرة ورقم (٢٠٧/ ١٣١) من حديث ابن عباس.