للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن أعظم الأدلة وأوضحها ما في حديث ابن عباس هنا: «وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له حسنة» (١) وفي اللفظ الآخر: من حديث أبي هريرة: «وإن تركها فاكتبوها له حسنة» (٢).

فإن هذا يدل على أن الله يكتب لمن هم بالسيئة، ولم يعملها، حسنة. ومعلوم أن القاصد، والعازم، والناوي، والمريد للسيئة لم يعملوها، فهم في عداد من يكتب له بتلك السيئة التي قصدها، أو عزم عليها، أو نواها، أو أرادها حسنة، لأنه لم يعملها، ولأنه تركها بلا شك ولا شبهة.

فاندفع ما جاء به الفارقون بين الهم، وبين تلك الأمور، ولم يشتمل كلامهم على فائدة يعتد بها فيما نحن بصدده.

واعلم أنه قد زعم قوم من علماء الكلام أن العزم (٣) إن شارك الفعل للمعزوم عليه، كان مؤاخذًا به ومعاقبا عليه!

قالوا: فمن عزم على أن يستخف بنبي من الأنبياء، أو بكتاب من الكتب المنزلة، كفر بمجرد هذا العزم، وإن لم يفعل فعلًا، ولا قال قولًا! هذا معنى كلامهم، وهو كلام ساقط، وتفرقة باطلة، ليس عليها أثارة من علم نقل ولا عقل!

وبيان ذلك أن الغاية التي أثبتت الأدلة المؤاخذة بها هي العمل أو التكلم. وهذا العازم لم يعمل، ولا تكلم.

فالقول بالمؤاخذة له: قول بلا دليل، بل قول مخالف للدليل مخالفةً واضحةً ظاهرةً.

والذي حملهم على هذا خيال مختل وشبهة داحضة، وهو أنهم ظنوا أن هذا العازم على ما ذكروه، وقد


(١) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (٢٠٧/ ١٣١) وقد تقدم.
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (٢٠٥/ ١٢٩) وقد تقدم.
(٣) انظر: "الفتح" (١١/ ٣٢٨).